تعليق على حكم المحكمة الدستورية في الطعن
رقم (6) لسنة 2018 الصادر في 2018/12/19
البحث كاملا بصيغة PDF



أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

أستاذ القانون العام
ورئيس كلية القانون الكويتية العالمية

الملخص:

يتناول هذا التعليق بالدراسة والتحليل الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية في الطعن رقم (6) لسنة 2018 الصادر في 19/12/2018، والذي قضى بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963، والتي تنظم إجراءات إسقاط العضوية، بدءاً من تكليف اللجنة التشريعية بإعداد تقريرها والاستماع للعضو محل الإجراء، ومروراً بتحديد الفترة الزمنية وعرض الأمر على جلسة عامة لمجلس الأمة وانتهاء بالتصويت بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وهو ما يُعد إخلالاً جسيماً بمبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات. وقد تم تقديم هذا الطعن أياماً قليلةً بعد تصويت مجلس الأمة في جلسة 30/10/2018 برفض إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش، اللذين صدر بحقهما حكم نهائي بالسجن ثلاث سنوات وستة أشهر في قضية دخول مجلس الأمة التي تعود وقائعها إلى 16/11/2011.

ويكتسب التعليق على هذا الحكم أهميته من كون هذا الأخير يتضمن إخلالاً جسيماً بعدة مبادئ دستورية من بينها الفصل بين السلطات والمساس باختصاصات السلطة التشريعية، كما يعد تراجعاً ونكوصاً في اتجاه المحكمة الدستورية فيما يتعلق باحترام التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات، مما يستوجب من الفقه الدستوري التوقف عنده وبيان آثاره وتداعياته الوخيمة. وقد عرضنا لذلك من خلال ثماني ملاحظات رئيسية معمقة تم بسطها ومناقشتها بشكل تحليلي ونقدي ومقارن، يستند للنصوص والمبادئ الدستورية وللاجتهادات القضائية.

وقد انتهينا في هذا التعليق إلى أن الحكم جاء معيبا شكلاً وموضوعاً ومتعدياً على الدستور، لأنه يخل بمبادئ المشروعية الدستورية ويهدر الطبيعة البرلمانية للائحة الداخلية وأهميتها الدستورية من خلال بسط رقابته على الأعمال البرلمانية، في نهج مخالف لكل النصوص والقواعد والأعراف الدستورية، بل ولأحكام المحكمة الدستورية نفسها، كما أنه تجاهل إعمال شرطي المصلحة والصفة في الطعن المقدم وفقاً للمستقر قضاءً وفقهاً، وتضمن تزيداً في غير محله. وفي ضوء ذلك وغيره، فإن الحكم يعد متداعياً ومنحدراً للعمل المادي الصرف الذي لا يحدث أثراً قانونياً ولا يرتب نتيجة فهو والعدم سواء.

كلمات دالة: الأعمال البرلمانية، الرقابة الدستورية، إسقاط العضوية، اللائحة الداخلية، البرلمان، الفصل بين السلطات.

المقدمة:

تكتسب الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية أهميةً مضاعفةً بالنظر لطبيعتها واختصاصها الحصري في الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والذي يمنحها مرجعية قانونية دستورية، طالما التزمت نطاق اختصاصها، بالإضافة إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة التي تترتب عليها، والتي تتجاوز في بعض الأحيان الأشخاص والأطراف ذات الصلة بها لتشمل آليات عمل وضمانات المؤسسات الدستورية في الحاضر والمستقبل. ولذلك يتوقف المهتمون من أهل الاختصاص وغيرهم عند هذا النوع من الأحكام بالدراسة والتحليل، والنقد والتصويب، مما يسهم في تطوير اتجاهات القضاء الدستوري في بلادنا وتنمية التوعية بآليات وضوابط عمل المؤسسات في إطار المبادئ الدستورية وفي مقدمتها أن السيادة للأمة مصدر السلطات جميعاً.

الحكم يتناقض والتوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات وينال من استقلالية مجلس الأمة واختصاصاته المبينة باللائحة الداخلية.

وفي هذا الإطار، يُعد حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم (6) لسنة 2018 الصادر في 19/12/2018 والذي قضى بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963، حكماً منتقداً وغير موفق، لأسباب موضوعية وشكلية جوهرية، فهو يتناقض والتوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات، كما أنه ينال من استقلالية مجلس الأمة ومن اختصاصاته المبينة في لائحته الداخلية، التي تتمتع بمكانة مهمة ترقى لمصاف القوانين الدستورية([1])، وينتقص من العديد من المواد الدستورية وعلى الأخص المواد (6) و(84) و(97) و(108) و(111) و(117) التي نظمت الضمانات والإجراءات المتعلقة بالعضوية وبالأعمال البرلمانية، وقد استند هذا الحكم إلى مفهوم خاطئ للمصلحة الشخصية بصورة مرسلة وافتراضية ليست موجودة لا واقعاً ولا قانوناً بل تتناقض مع المفهوم المستقر بأحكام متواترة  للمحكمة الدستورية ذاتها، مما يجعله مشوباً بعيوبٍ جوهريةٍ تهدم أساس وجوده وتجعله متداعياً.

الحكم استند الى مفهوم خاطئ للمصلحة الشخصية بصورة مرسلة وافتراضية ليست موجودة لا واقعا ولا قانونا.

ويتعلق الطعن المقدم بتاريخ 12/11/2018 والمسجل برقم (6) لسنة 2018 “، طعن مباشر/غرفة المشورة” والذي صدر بشأنه الحكم، محل هذا التعليق، بقضية رفعها (أ.خ) للمطالبة بالحكم بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بموجب القانون رقم (12) لسنة 1963 وبني على إدعاءات لمصلحة مرسلة غير واقعية تقترب به من أن تكون ضرباً من ضروب الطعون الانتخابية التي لبست لبوس دعوى عدم الدستورية، وقد نظرته غرفة المشورة التابعة للمحكمة الدستورية في 25/11/2018 وقررت بصورة خاطئة جديته، ثم تم تحديد جلسة للمحكمة الدستورية بتاريخ 19/12/2018، تم فيها النطق بالحكم محل التعليق، مع العلم بأن القضية ارتبطت أساساً بتصويت مجلس الأمة في جلسة عامة بتاريخ 30/10/2018 على تقرير اللجنة التشريعية بشأن إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش والذي رفض مجلس الأمة بأغلبية أعضائه إسقاط عضويتيهما بسبب صدور حكم نهائي في حقهما بالسجن بتاريخ 8/7/2018 باعتبار أن إسقاط العضوية من صلاحياته التي ينفرد بها وفقا لأحكم المواد (82) و(84) و(108) و(111) و(117) من الدستور ووفقاً للإجراءات المحددة بالمادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.

الملفت استعجال المحكمة الدستورية في نظر القضية رغم أنها كانت تستدعي مزيدا من الوقت وإتاحة الفرصة للحكومة ومجلس الامة لإبداء رأييهما واعداد مذكرتيهما.

ولا يمكننا في هذا السياق إغفال حالة الاستعجال التي شابت النظر في القضية، سواء في مرحلة غرفة المشورة، أو بالنسبة للمحكمة ذاتها، رغم أن القضية كانت تستدعي مزيداً من الوقت وإتاحة الفرصة للحكومة ومجلس الأمة لإبداء رأييهما وإعداد مذكراتهما، وهي الحكمة من اعتبارهما من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية.

وفي إطار هذا التعليق، نعرض أولاً لوقائع الحكم، ثم نقدم ملاحظاتنا عليه، وذلك على النحو التالي:

الوقائع:

تتلخص وقائع الحكم في أن الطاعن (أ.خ) تقدم بتاريخ 12/11/2018 بطعن مباشر إلى المحكمة الدستورية لاستصدار حكم بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963، على سند من الأسباب، أهمها: (أولاً) أن المادة المطعون بها تخالف المادة (82) من الدستور لأنها نصت على إجراءات وأغلبية خاصة ومنحت مجلس الأمة سلطة تقديرية ليست من حقه فيما يتعلق بحالات إسقاط العضوية، وهو ما يُعد تدخلاً من السلطة التشريعية في أعمال السلطة القضائية ومساساً باستقلاليتها وإهداراً لمبدأ حجية الأحكام بالمخالفة لنص المادتين (50) و(163) من الدستور. كما أوضح الطاعن أن استمرار تمتع النائب بحقوقه السياسية وعدم إسقاط عضوية النائب تنفيذاً للحكم القضائي يُعد تمييزاً للنائب عن غيره من المواطنين بالمخالفة لأحكام المادة (29) من الدستور وإضفاء لحصانة عليه في غير موضعها، مشيراً إلى أن النائب وليد الطبطبائي الذي فاز عن الدائرة الثالثة في انتخابات مجلس الأمة لعام 2016 صدر بحقه حكم جنائي بات بحبسه ثلاث سنوات وستة أشهر مع الشغل، وأنه تبعاً لذلك أصبح غير أهل لعضوية مجلس الأمة ومفتقدا لأحد الشروط المنصوص عليها في المادة (82) من الدستور، مما يعني بنظره فقدانه لعضويته دون الحاجة لأي إجراء آخر. (ثانياً) أوضح الطاعن أن له مصلحة يهدف لها من وراء طعنه، وهي إلغاء المادة المذكورة وإعلان خلو مقعد النائب المشار إليه والدعوة لانتخابات تكميلية بالدائرة، حيث يعتزم خوضها والفوز بها ليحل محل النائب المشار إليه، خاصة وأنه مقيد بالدائرة الثالثة، وتتوفر به الشروط الواجبة للترشح.

وقد نظرت لجنة المشورة بالمحكمة الدستورية في صحيفة الطعن بتاريخ 19/11/2018 وقررت إدراجه على جدول جلسة المحكمة الدستورية ليوم 25/11/2018، وموافاة كل من رئيس مجلس الأمة ورئيس إدارة الفتوى والتشريع بصورة من صحيفة الطعن ومرفقاته، وإخطارهما بموعد الجلسة، فيما تقدم المحامي (م. ع) عن النائبين وليد الطبطبائي وجمعان الحربش اللذين رفض مجلس الأمة في جلسته العامة بتاريخ 30/10/2018 إسقاط عضويتيهما، بطلب التدخل في الدعوى.

وفي حيثيات حكمها، بيَّنت المحكمة أن الخصومة في الطعن المرفوع بطريق الادعاء الأصلي المباشر هي خصومة عينية موجهة أصلاً إلى النص التشريعي المطعون بعدم الدستورية وليست طعناً بين خصوم، ولذلك فإن طلب كل من النائبين وليد الطبطبائي وجمعان الحربش التدخل في الطعن غير جائز. وأضافت المحكمة أن إشعار الحكومة ومجلس الأمة بالقانون المطعون عليه تم باعتبارهما من ذوي الشأن ومعنيان معا وعلى نحو متلازم، وذلك للوقوف على ما يبديانه من رأي، مشيرة إلى أنه ليس من شأن ذلك أن يُغيّر من طبيعة الطعن أو يستفاد من ذلك في إدخال أي طرف فيه أو إتاحة المجال لما قد يثور بمناسبته من دفوع وطلبات. وأكدت المحكمة أن اختصاصها في المراقبة الدستورية يشمل كل القوانين، إلا تلك التي منحها الدستور الصفة الدستورية مثل قانون توارث الإمارة، موضحة أنه في ضوء ذلك فإن رقابتها تشمل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بقانون رقم 12 لسنة 1963. واستطردت المحكمة قائلةً بأنه لو كانت السلطة التأسيسية الأصلية تريد منحها الصفة الدستورية لكانت قد منحتها ذلك دون تردد، مشيرة إلى صواب قرارها ببسط الرقابة هذه بسابقة نظرها في طعن على مادة من اللائحة نفسها بناء على طلب من مجلس الأمة.

وأشارت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها إلى أن فصل السلطات من القواعد الأولية للدستور، التي تضمن التوازن واستقلالية السلطات وعدم تعدي كل منها على اختصاصات الأخرى، مؤكدةً على أن ما يصدره مجلس الأمة من قرارات وما يتخذه من إجراءات يُعد من الأعمال البرلمانية التي لا تتسم بالصفة التشريعية وتنحسر عنها رقابة هذه المحكمة، لكنها استطردت وقالت بأن ذلك لا يمنعها من بسط رقابتها على أي نص تشريعي، مستعرضةً نصي المادة (82) من الدستور والمادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وما أورده الطاعن بشأن مخالفة الثانية للأولى، معلنة بأن نعيه بشأن ذلك في جملته سديد، مشيرةً إلى عدم جواز تدخل السلطة التشريعية في اختصاصات السلطة القضائية أو المساس بالأحكام القضائية الصادرة عنها وتقويض آثارها، أو إهدار حجيتها وذلك وفقاً لأحكام المادة (50) من الدستور. وبيَّنت المحكمة أن المادة (29) من الدستور لا تمنح النائب حقوقاً تختلف عن المواطن العادي فيما يتعلق بالخضوع للقانون، وأن الحصانة النيابية مقررة للمصلحة العامة وليست لمصلحة عضو المجلس الشخصية، وأنها لا تعدو أن تكون مانعاً إجرائياً مؤقتاً.

كما أوضحت المحكمة أن عبارات المادة المطعون عليها وهي المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد جاءت عامة ومطلقة؛ مما يجعلها تشمل جميع حالات فقدان شروط العضوية بما فيها تلك الناتجة عن حكم قضائي بات، حيث يصبح النائب غير أهل للعضوية بقوة الدستور، ومفتقدا لشرط من شروط الاستمرار في عضوية مجلس الأمة وفقا للمادة (82) من الدستور، مؤكدة بأن ذلك والسلطة التقديرية التي تمنحها لمجلس الأمة بشأن ذلك يصم المادة بعيب عدم الدستورية. وأضافت المحكمة بأن المادة المطعون عليها تخالف كذلك صريح المادة (84) من الدستور التي تنظم حالة خلو محل عضو مجلس الأمة، والتي يجب أن تحترم.

وانتهى حكم المحكمة بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بقانون رقم 12 لسنة 1963، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

إن هذا الحكم يثير العديد من القضايا الدستورية المهمة، التي تتعلق بضرورة حفظ المشروعية الدستورية من أي اختلال وتحقيق التوازن بين السلطات الدستورية وعدم الافتئات على اختصاص السلطة التشريعية، ممثلة في مجلس الأمة، باعتبارها ركناً جوهرياً في النظام الديمقراطي، وهو ما يستوجب التوقف عندها وتوضيحها، وبيان آثارها وتداعياتها، وذلك على ما سيأتي بيانه:

تنقسم الملاحظات التي نوردها في معرض تعليقنا على هذا الحكم وما يرتبط بها من آثار ونتائج إلى مسائل أساسية هي:

أولاً- الحكم ينقض قواعد المشروعية الدستورية:

أكدت المحكمة في حيثيات حكمها أن: “رقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة يقف مجالها عند حد التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لأحكام الدستور، وهي رقابة لها طبيعة قانونية لا جدال فيها”، وزادت بأنه: “لا يسوغ – كأصل عام- التحدي بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته – مهما بلغت أهميته وأبعاده وآثاره- له قوة الدستور”، معتبرةً بأنها: “جهة الرقابة على الشرعية الدستورية”، وأنها: “لا تتخلى عن مسؤوليتها”، وأنها: “الحارسة على أحكام الدستور تدعيماً لسيادته وعلوه بوصفه المعبر عن إرادة الأمة على ما عداه”. وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها أنه: “لا مجال للقول بأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم (12) لسنة 1963 لها قوة الدستور أو أنها عصية على الخضوع لرقابة هذه المحكمة..”.

المحكمة الدستورية اختصاصاتها محددة بمنازعات دستورية القوانين واللائحة ولا يجوز لها تعدي ذلك النطاق المحدد والمقصود.

وتعليقاً على ذلك، نؤكد بأن طبيعة عمل المحكمة الدستورية ومناط اختصاصها هو أن تتولى الفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح([2])، ولا يجوز لها بحال من الأحوال أن تتعدى ذلك النطاق المحدد والمقصود، كأن تبحث في تطبيق مجلس الأمة لأي نص بل وتلاحق بواعثه أو أن تكيّف لائحة مجلس الأمة التي هي جزء من أعماله البرلمانية – كما سنوضح ذلك لاحقًا- على أنها تشريع مما يخضع لرقابتها.  وهو ما يعني أنها – أي المحكمة الدستورية- هي إحدى الجهات التي أنيط بها الحفاظ على سمو الدستور وصيانة مكانته وعلوه([3])، إذ إنه – أي الدستور- هو أساس وجودها وركيزة بقائها، ومن ثم فإن السماح بتجاوز أحكام الدستور وحدود ما رسمه من فواصل وتوزيع للاختصاصات الدستورية بين السلطات العامة تحت أي حجة – حتى من المحكمة الدستورية نفسها- ينقض مبرر وجودها ويصم ما تصدره في هذه الحالات بكونه إخلالاً بالدستور لا ينتج أثراً ولا يُرتب نتيجة ولا يُعول عليه لكونه ينقض مصدر مشروعية وجود المحكمة ذاتها، وهو التجاوز الذي وقعت به المحكمة في مواضع متعددة من حكمها فيما تزيدت به من أمور لا تدخل في اختصاصها، وفيما تخطته من حدود تنال من مبدأ يسمو عليها وعلى كافة السلطات العامة الأخرى ألا وهو مبدأ (التوزيع الدستوري للاختصاص)، وهو ما كرسه الدستور وانطلق منه في بيان السلطات وطبيعتها واختصاصاتها وحدودها وهو ما ردده الدستور في أكثر من 58 مادة بشكل مباشر ومنها على سبيل المثال المواد:( 4، 6، 50، 51، 52، 53، 54، 56، 57، 59، 60، 62، 63، 64، 65، 66، 70، 71 ، 75، 79، 80، 82، 84، 91، 100، 101، 102، 104، 115، 123، 128، 160، 162، 164، 169، 171، 173، 174، 175، 176، 179، 180، 181، 182، 183).

مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات مبدأ أساسي يجد سنده في الدستور بالمواد 50 و 51 و52 و53 وما يليها ولا يجيز لأي سلطة التدخل باختصاصات الأخرى.


إن مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات هو مبدأ أساسي بني عليه الدستور الكويتي حينما قرر في المادة (50) فكرة الفصل بين السلطات ثم تتالت المواد الأخرى لتتولى كل منها بيان طبيعة ونوع اختصاصات كل سلطة. فقد بيَّنت المادة (51) السلطة التشريعية وهي التي تتكون من الأمير ومجلس الأمة، ثم جاءت المادة (52) لتبين السلطة التنفيذية والتي أيضاً تتكون من الأمير ومجلس الوزراء، ثم أوضحت المادة (53) بأن السلطة القضائية تتولاها المحاكم باسم الأمير في حدود الدستور. وبذلك يكون الدستور قد حدَّد لكل سلطة أجهزتها واختصاصاتها ونطاق عملها وطبيعة تكوينها، ومن ثم فإن مبدأ التوزيع الدستوري قد انبثق باعتباره مبدأً مركزياً ينبني عليه الدستور الكويتي، ولذلك فقد تتالت مواد الدستور من المادة (51) وحتى نهاية الدستور في بيان طبيعة ونوع اختصاص كل سلطة من السلطات الثلاث.

وقد عادت المحكمة في حيثيات حكمها إلى التأكيد على أن: “فصل السلطات من القواعد الأولية للدستور، لذا فقد رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها بما يحقق توازن السلطات توازناً لا يتيح لإحداها مكنة استيعاب الآخرين، ولم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى”.

إذا فإن كل السلطات – وليست المحكمة الدستورية وحدها- معنية بالحفاظ على سمو الدستور ومكانته والذود عنه بما في ذلك مصدر السلطات جميعا ألا وهو (“الأمة” أي الشعب) وذلك بصريح نصوص الدستور ذاته كما ندرك ذلك من تتابع وتعاضد نصوص الدستور في بناء مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات تحقيقاً لغاية سموه وحجب أي سلطة عن التفرد – تحت أي مبرر- للنيل من أحكامه أو التفريط بها أو تجاوز قيودها.

في ضوء هذا الفهم لفكرة الشرعية الدستورية ومصدر المشروعية لعمل السلطات في كنفها واعتماداً عليها ندرك بأنه يستعصي على أية سلطة تجاوز حدود التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات، ومن ثم إن وقعت أي من السلطات في حومة هذا التجاوز فإن عملها لا قيمة له ولا ينتج أثراً ولا يرتب قيمةً ولا يعول عليه وينحدر به إلى صيرورته عملًا ماديًا لا أثر له قانونًا، لكونه ينقض مصدر مشروعية وجودها أصلاً، وهو ما شاب حكم المحكمة الدستورية فيما تجاوزه من حدود اختصاصها وتزيده في أمور هي خارج ولايتها القضائية.

ثانياً- الحكم يبسط رقابة المحكمة على الأعمال البرلمانية:

أحكام المحكمة الدستورية والقضاء المقارن استقرت على أن الأعمال البرلمانية لا تخضع للرقابة القضائية.


إن جزءًا من الأمور المستقرة في الكويت في أحكام المحكمة الدستورية وفي القضاء المقارن، أن الأعمال البرلمانية أي تلك القرارات أو الأعمال المادية أو التصرفات التي يصدرها مجلس الأمة (أو البرلمان )، في شأن تنظيم سير جلساته واكتمال نصابها وحضورها والتصويت والمناقشات والإجراءات التي تتم من قبله مثل تقديم السؤال البرلماني أو لجان التحقيق البرلمانية أو الاستجواب أو غيرها من الأعمال الأخرى بما في ذلك سلطة مجلس الأمة في تنظيم أعماله وإجراءاتها في إطار العمل داخل البرلمان جميعها تصدر بقرارات من قبل مجلس الأمة، وهذه القرارات قد تكون قرارات آنية وقد تكون قرارات تنظيمية، فالقرارات الآنية من أمثلتها أن يتم انتخاب رئيس مجلس الأمة أو أعضاء لجان المجلس، أو كما أن يتم اتخاذ قرار بتحديد السماح لبعض موظفي الحكومة دخول قاعة المجلس في وقت انعقاد الجلسة للمشاركة في النقاش، أو التصويت على قرار بإضافة بند على جدول الأعمال أو غيرها من القرارات الآنية المؤقتة.

كما أنها قد تكون قرارات تنظيمية تصدر على شكل قواعد قانونية ونصوص دائمة، وهي إما أن تصدر على هيئة لائحة داخلية وهو ما تم في شأن اللائحة الداخلية للمجلس، التي تستند إلى التفويض الدستوري المقرر في المادة (117) من الدستور، وقد تصدر أحياناً بجملة قرارات متتابعة يتم تجميعها ويتم تنظيم العمل البرلماني وفقاً لها أيضا، من حيث وقت المناقشة ومن حيث إجراءات النقاش وإجراءات الإحالة إلى اللجان، وأيضاً في حالة تحديد توقيت وإجراءات عرض رسائل أعضاء مجلس الأمة أو تظلماتهم أو احتجاجاتهم. أو كما هو الأمر في مسائل تتعلق في عضوياتهم واستمرارها وبقائها أو فقدانها، كل تلك الأمور تصدر بقرارات تنظيمية ومن ثم هي جزء من الأعمال البرلمانية الخالصة إذ إنها صدرت عنه لتنظيم شؤونه وأعماله التي يستقل بتنظيمها، التي باتفاق أحكام المحكمة الدستورية في الكويت منذ إنشائها إلى صدور الحكم الأخير رقم 6 لسنة 2018 هي أعمال برلمانية مما تخرج عن ولاية المحكمة الدستورية وتستعصي على رقابتها، ولا يجوز بسط هذه الرقابة عليها، ولا يُغيّر من هذا الأمر والحقيقة في شيء حتى وإن حدث أن حاولت المحكمة الدستورية وبسطت من الناحية الفعلية رقابتها عليه – تجاوزاً لأحكام الدستور- كما حدث في إجراءاتها في الحكم الوارد في القضية محل هذه الدراسة، على نحو ما سنبينه تفصيلاً في هذه الدراسة بأنها مدت نطاق رقابتها بصورة فيها إخلال جسيم وخروج على وظيفتها ونطاق اختصاصاتها حينما بسطت رقابتها على الأعمال البرلمانية التي تستعصي عليها قولاً واحداً متخذةً من الدعوى الدستورية مدخلًا للنيل من اللائحة ومن قرارات برلمانية تتعلق بتطبيقها في مجال اختصاص المجلس النظر في إسقاط عضوية أعضائه من عدمها، بما يترتب عليه انحدار عمل المحكمة للعمل المادي الذي لا ينتج أثراً ولا يكتسب أي وجود وليس له قيمة لخروجه الكامل على أحكام الدستور.

المادة 117 من الدستور بتكليفها مجلس الأمة بوضع لائحته الداخلية بنفسه إنما كانت تهدف بوضوح الى حفظ استقلاليته ومنع السلط الاخرى من التدخل بشؤونه.


وفي الحكم الماثل أمامنا، ورغم تأكيد المحكمة على أن رقابتها الدستورية لا تشمل الأعمال البرلمانية، حيث أشارت في الحكم إلى أن: “ما يصدره مجلس الأمة من قرارات وما يتخذه من إجراءات يُعد من الأعمال البرلمانية التي لا تتسم بالصفة التشريعية، وتنحسر عنها رقابة هذه المحكمة دون نزاع”، إلا أنها في هذا الطعن بسطت رقابتها على عمل برلماني متخذةً من سبب الطعن المنظور قبلها مدخلاً لإخضاع عملين برلمانيين يُعدّان من الاختصاصات الأصيلة لمجلس الأمة لرقابتها، أولهما نصوص اللائحة الداخلية ذاتها وثانيهما يتمثل في التصويت على إسقاط عضوية اثنين من أعضاء مجلس الأمة  بعد صدور حكم نهائي قضى بسجنهما، وهي الحالة التي يستنهض معه اختصاص المجلس وفق المادة (82) من الدستور التي تنص على أنه: “يشترط في عضو مجلس الأمة: 1- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون. 2- أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب. 3- ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية. 4- أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها”. وكذلك وفقا للمادة (117) من الدستور التي تنص على أنه: “يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور. وتبين اللائحة الداخلية الجزاءات التي تقرر على مخالفة العضو للنظام أو تخلفه عن جلسات المجلس أو اللجان بدون عذر مشروع”. ومن الواضح أن الدستور في هذه المادة قد خوَّل مجلس الأمة منفرداً سلطة تقديرية في تنظيم الاختصاصات المعهودة إليه في لائحته الداخلية، وهي لهذا الاعتبار تتمتع بمنزلة دستورية وتُعدّ عملًا برلمانيًا في آن واحد.

كما يأتي هذا العمل البرلماني، الذي قصدت المحكمة بصورة خاطئة بسط رقابتها عليه، تنفيذاً لأحكام المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة التي تنص على أنه: “إذا فقد العضو أحد الشروط المنصوص عليها في المادة (82) من الدستور أو في قانون الانتخاب أو فقد أهليته المدنية سواء عرض لـه ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم إلا بعد الانتخاب أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الأكثر من إحالته إليها. ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسة تالية، وللعضو أن يبدي دفاعه كذلك أمام المجلس على أن يغادر الاجتماع عند أخذ الأصوات، ويصدر قرار المجلس في الموضوع في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه. ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم، ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سرياً”. ولذلك فإن تطبيق هذه المادة من خلال الإجراءات المبينة والتي انتهت بتصويت المجلس برفض إسقاط عضويتي النائبين وهو أيضًا عمل برلماني أصيل.

إن رقابة المحكمة الدستورية الخاطئة للمادة (16) المشار إليها استتبعه حتماً بحث ومناقشة ما أجراه مجلس الأمة من عمل برلماني- إن لم يكن قصد منه بلوغ ذلك([4])-، رغم أنه عمل برلماني خالص مما تنحسر عنه رقابة المحكمة الدستورية، ويجعل الحكم مصاباً بالعوار الجسيم، الذي يفقده أن يكون له أي أثر قانوني أو قيمة في أصل النزاع الموضوعي الذي أثاره الطاعن([5])، بل إن المحكمة الدستورية ذاتها في حكم لها عام 2015 أوضحت ذلك مقررة أن “مراقبة تطبيق النص المطعون فيه لا يكشف بذاته عن عيب دستوري، وأن المحكمة لا شأن لها بكيفية تطبيق القانون ولا بما يظهر عند ذلك من قصور ومثالب”([6]). ولعل مما يلزم التنويه إليه هنا هو أن ما ورد من اختصاص في المادة (16) يجد أيضاً سنده الصريح في المادة (117) من الدستور، التي فوضت المجلس بوضع لائحة داخلية – تصدر بقرار برلماني منه – تحكم وتنظم أعماله الداخلية، بما في ذلك إسقاط العضوية، وهو ما يجعله (أي قرار إسقاط العضوية) واحداً من الأعمال البرلمانية التي تخرج عن رقابة القضاء الدستوري. كما يجد هذا الاستبعاد سنده في أن إسقاط العضوية من عدمها بالنسبة لسلطة المجلس بشأنها يحكمها فكرة الملاءمة السياسية بأبعادها التقديرية، وهو ما أشارت إليه المذكرة التفسيرية للدستور في نطاق التصوير العام لنظام الحكم عندما جعلت هذه الملاءمة “مسألة تعبر عن واقع الدولة وتتخير أقدر الأصول النظرية على التزام الحد الضروري من مقتضيات هذا الواقع”.

إن منح الدساتير وقوانين المجالس التشريعية منفردة الاختصاص والسلطة الحاسمة في مسألة إسقاط عضوية أعضائها عبر إجراءات دقيقة تتضمن تقارير اللجان والتصويت العام والأغلبية الخاصة بالنسبة للبعض هو نهج دستوري أصيل يستهدف حفظ الضمانات الأساسية لعضو البرلمان خلال تأدية مهامه خشية من التربص به أو التعسف في مواجهته من قبل السلطات الأخرى، وكان من الحري بالمحكمة الدستورية أن تتوقف عند ذلك.

وتأكيداً لأهمية النص الدستوري الذي منح الاختصاص لمجلس الأمة في تنظيم وإدارة شؤونه، ذهب الفقه الكويتي إلى أنه: “وفقا لنص المادة (117) من الدستور يستطيع مجلس الأمة أن يضع لائحته بقرار يصدره، دون حاجة إلى إصدارها بقانون يخضع لكافة الإجراءات التي يخضع لها كل قانون (موافقة مجلس الأمة – تصديق- إصدار- ونشر)”([7])، وهو ما أيدناه من جهتنا وعبرنا عنه في أحد مؤلفاتنا منذ وقت طويل بالقول إنه آن الأوان: “لتصحيح هذا الوضع الخاطئ، وإصدار (مجلس الأمة) لائحته الداخلية بقرار منه”([8])، ولذلك فإن ما نعبر عنه الآن ليس برأي جديد بمناسبة الحكم محل التعليق، بل هو موقف علمي مؤصل يستحضر أهمية تعزيز الأدوات التي تحفظ توازن واستقلالية السلطات الدستورية، وخاصة السلطة التشريعية منها، في ممارستها لمهامها الجوهرية تشريعياً ورقابياً بشكل فعال، والتي تنوء بالصعاب الجسيمة.

لكن المحكمة الدستورية في الحكم محل هذا التعليق أعرضت في حيثياتها عن المسلمات والمبادئ الدستورية وتجاوزتها، ومنحت لنفسها بشكل مباشر – بتجاوز جسيم- الحق في رقابة الأعمال البرلمانية بمناسبة بسط رقابتها الدستورية، حيث جاء في حيثيات الحكم أن: “لهذه المحكمة كل الحق في بسط رقابتها الدستورية على أي نص تشريعي دون أن يحجبها عن ذلك أي إجراء أو عمل في ممارسة اختصاصها… فمثل ذلك الإجراء أو العمل لا يأبه لآثاره، ولا يحول بين المحكمة وممارسة دورها”.

ولذلك فإن هذا الحكم يعد مجافياً للصواب بل ويبيح للمحكمة أن تغشى ميداناً محظوراً عليها لإهدارها مبدأ الفصل بين السلطات وعلى وجه التحديد مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات، وفضلاً عن ذلك فإن مسلك المحكمة الخاطئ في الحكم محل التعليق يتعارض مع الاتجاه المتواتر من قضاء المحكمة نفسها، حيث استقر قضاؤها على استثناء الأعمال البرلمانية من رقابة المحكمة بحسبان اقتصار رقابتها على المنازعة الدستورية فقط، إذ قضت في حكم لها بشأن الفصل بدستورية قرار مجلس الأمة الصادر بجلسته المنعقدة في 11/1/1994 والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 139 – بعدم إقرار المرسوم بقانون رقم 35/1990 في شأن محاكمة الوزراء بأنه: “وإذا كان المجلس التشريعي يختص أساساً بالتشريع أي بإصدار قوانين ذات قواعد عامة مجردة وفقاً للإجراءات المرسومة دستورياً، فإن الدستور قد خوَّله بالإضافة إلى ذلك اختصاصات أخرى يطلق عليها اصطلاح الأعمال البرلمانية، وهي جميع الأعمال القانونية والمادية التي ليس لها صفتا العمومية والتجريد، والتي تصدر من المجلس التشريعي أو من إحدى لجانه أو أحد أعضائه، وهم بصدد القيام بوظائفهم المخولة لهم بموجب الدستور خارج نطاق وظيفة التشريع، ومن ثم فلا تعد أعمالاً تشريعية، مما يبعدها عن مفهوم القوانين أو المراسيم بقوانين أو اللوائح، وعلى ذلك فهي تخرج عن رقابة المحكمة الدستورية. ولما كان ذلك وكان قرار مجلس الأمة بإقرار أو عدم إقرار المرسوم بقانون الصادر في غيبته لا تتوافر فيه المقومات التي تدخله في زمرة القوانين التي يصدرها المجلس إذا افتقد عناصر القاعدة القانونية الملزمة من العمومية والتجريد، ولم تتبع بصدده الإجراءات الدستورية المقررة لسن القوانين، ومن ثم فإن قرار مجلس الأمة بعد إقرار المرسوم بقانون رقم 35/1990 في شأن محاكمة الوزراء لا يُعد من التشريعات التي حددها الدستور والقانون. وأخضعها لرقابة المحكمة الدستورية، بما تضحى معه المحكمة الدستورية غير مختصة بالنزاع المطروح وهو ما يتعين القضاء به، دون حاجة إلى التعرض لما أورده الخصوم في مذكراتهم ومرافعاتهم الشفوية من دفاع، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى”([9]).

وتعزيزًا للتوجه الذي انتهت إليه المحكمة الدستورية، فقد شهدت نفس القضية تقديم رئيس مجلس الأمة طلب التدخل فيها والدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية في موضوع المنازعة تأسيساً على أن عدم إقرار مجلس الأمة المرسوم بقانون رقم 35/90 في شأن محاكمة الوزراء ليس عملاً تشريعياً مما يدخل في نطاق ولاية رقابة المحكمة الدستورية وإنما هو عمل برلماني ينفرد بطبيعة قانونية خاصة.

وفي قضية أخرى مماثلة بشأن طعن بعدم دستورية المادة (17) من قانون المطبوعات والنشر رقم 3/61 وبعدم دستورية البند خامساً من المادة الأولى من القانون رقم 20/81 المعدل بالقانون رقم 61/82، دفعت إدارة الفتوى والتشريع بأن المحكمة غير مختصة بالفصل في النزاع الموضوعي لكونه من الأعمال السياسية المندرجة في أعمال السيادة والتي تخرج بطبيعتها عن مجال الرقابة القضائية لسائر المحاكم([10]).

ومن جهتها، فقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بخروج الأعمال البرلمانية من نطاق رقابتها، وذلك بمناسبة النظر في طعن على قرار برلماني بترشيح رئيس الحزب الوطني الحاكم لولاية رئاسية جديدة، حيث أشارت إلى أن: “الدستور عهد، بنص المادة (175) منه، إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الولاية التي تباشرها في هذا المجال لا تنبسط إلا على القانون بمعناه الموضوعي، باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة..”، معتبرةً أن: “القرار الذي يصدر عن المجلس (مجلس الشعب) بترشيح مرشح لمنصب رئيس الجمهورية هو قرار وإن كان يصدر عن المجلس بوصفه عملاً برلمانياً..وهو يُعد في فحواه ومضمونه ذا طبيعة إجرائية بحتة تحول وأن يكون تشريعاً أصلياً أو فرعياً مما تمتد إليه الرقابة القضائية لهذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح”. وانتهت إلى الحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى([11]).

كما سلك قضاء مجلس الدولة المصري المسلك نفسه عندما قضى في أحد أحكامه بأن: “الأعمال التي تصدر عن السلطة التشريعية ليست من طبيعة قانونية واحدة، فمنها القوانين التي أقرتها السلطة التشريعية وصدَّق عليها رئيس الجمهورية وأصدرها، ويخرج الطعن عليها من ولاية محاكم مجلس الدولة وينعقد الاختصاص بنظر الطعن على دستوريتها للمحكمة الدستورية العليا دون سواها. كما أن السلطة التشريعية يصدر عنها أعمال برلمانية تتعلق بإدارة شؤون البرلمان الداخلية كانتخاب رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشورى وانتخاب كل مجلس والأعمال المتعلقة بالرقابة على أعمال السلطة التنفيذية كتوجيه الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات وغير ذلك من الأعمال المتعلقة بمباشرة السلطة التشريعية لاختصاصها الدستوري والقانوني، وكل هذه الأعمال تخرج عن ولاية محاكم مجلس الدولة، ولم يسندها المشرع إلى ولاية أية جهة قضائية أخرى، فهي تخرج عن ولاية المحاكم، فضلاً عن أن الأعمال البرلمانية لم تخضع يوماً لرقابة أية جهة قضائية في مصر، ولم يتضمن تاريخ التشريع في مصر إسناد أية رقابة على الأعمال البرلمانية إلى إحدى جهات القضاء بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا”([12]).

إن مبدأ الفصل بين السلطات وممارسة مجلس الأمة لاختصاصاته البرلمانية سواء في علاقته بالحكومة كما في الاستجوابات أو الأسئلة البرلمانية، أو تصويته فيما يتعلق بشؤون أعضائه وحصانتهم وتصويتهم أو بشأن عضويتهم بلجانه أو بنظره طلبات إسقاط عضويتهم منه، بل إن كافة أعمال المجلس المتعلقة باختصاصاته هي أعمال برلمانية ما عدا إصدار القوانين وإجراءاتها فهي فقط التي تتعلق بالتشريع والتي يمكن أن تراقبها المحكمة الدستورية، ومن ثم فإن الأصل في أعمال المجلس أنها من الأعمال البرلمانية الصرفة بطبيعتها، ولا يمكن ولا يجوز للمحكمة الدستورية أن تبسط رقابتها عليها واتخاذ دعوى عدم الدستورية – كما في الحكم محل هذا التعليق- مدخلاً ووسيلةً لذلك وهو المسلك الخاطئ للحكم محل التعليق إذ لحقه عوار يعدم وجوده ويأتي على كل أثر له، إذ إن ذلك المسلك تجاوز على التوزيع الدستوري للاختصاصات والذي لا يجوز بحال من الأحوال للمحكمة الدستورية ذاتها أن تفتئت عليه وتتخطاه، فكافة الأعمال البرلمانية لا تخضع لرقابة المحكمة الدستورية إطلاقاً وهو الإجماع الذي تنعقد عليه أحكام القضاء المقارن (في فرنسا([13])، وألمانيا([14])، وإسبانيا وإيطاليا، ومصر([15])، وغيرها من كافة الدول الأخرى التي تبنت الرقابة على دستورية القوانين وهو ما تواترت عليه أحكام المحكمة الدستورية ذاتها في الكويت أيضاً في كافة أحكامها بصورة حاسمة ومستقرة، ومن ثم يستعصي على المحكمة الدستورية نظر العمل البرلماني ولو غُلِّف على هيئة طعن بعدم الدستورية كما في الطعن الماثل، مما كان يتعين عليها رفضه شكلياً من قبل المحكمة أو من قبل أية جهة أدنى منزلة منها (غرفة المشورة). بل إن قبوله منها شكلاً فيه نكوص عن المستقر ونيل من مسلمات شكلية تتمثل بعدم النظر بأي نعي على العمل البرلماني لانحسار ولايتها عن الرقابة عليه، وهو في الحكم محل التعليق تجاوز صريح لنطاق اختصاصهما وقيودها القانونية ليحولهما لجهة تحكيم سياسي وهو ما تنكبت طريقه وتجاوزته  المحكمة وبل أهدرت بديهياته المسلم بها والمستقرة، وكنا نأمل أن تنأى المحكمة الدستورية بنفسها عن متابعة هذا التوجه الخاطئ الذي تهتز معه أركان الدستور ومبادئه وينال من مرجعيتها ومكانتها الدستورية، حينما قبلت أن تصبح جهة تحكيم سياسي لا محكمة قضاء دستوري، فتنظر في طعن بعدم الدستورية حقيقته الزج بها لتغشى ميداناً لا ولاية لها فيه، كي تنظر وتراقب عملاً برلمانياً صرفاً مما يستعصي على اختصاصها الولائي سواء أكان هذا الإقحام لها قد تم بصورة مباشرة أم غير مباشرة، وهو ما كان يجب على المحكمة الدستورية رفضه لخروجه بالكامل عن ولايتها، ترسيخاً لمكانتها المرجعية الدستورية والتي مناطها الحفاظ على الدستور وليس إهدار جوهر مبادئه وأحكامه والتي منها (مبدأ الفصل ببن السلطات، وعدم اختصاصها الولائي بالرقابة على الأعمال البرلمانية، وهو المتواتر والمستقر في كافة أحكامها السابقة، وهو أيضاً ما ينعقد عليه إجماع القضاء الدستوري المقارن كما أوردنا أعلاه)([16]).

ولم يكن خافياً على المحكمة أن الطعن المقدم إليها فاقد للمصلحة وهو ضرب من ضروب الطعون الانتخابية الذي لُبّس لبوس الدعوى الدستورية مما كان يستوجب رفضها له شكلياً.

ثالثاً- الحكم يهدر الطبيعة البرلمانية للائحة الداخلية وأهميتها الدستورية:

نصت المحكمة الدستورية في حكمها محل التعليق أن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة هي قانون، وأنها تدخل ضمن رقابتها الدستورية، معتبرةً أن “الدستور قضى بأن يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية.. وذلك أخذاً بما جاء في دساتير مقارنة أخرى من أن يُترك للمجلس النيابي وضع لائحته الداخلية، صدر القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وذلك على نحو ما اتبعته دول عديدة من جعل اللائحة قانوناً، وتطبيقه حتى يكون للسلطة التنفيذية من الشأن في أمور اللائحة ما لها من الشأن في أمور القوانين الأخرى..”. كما أكدت في حيثيات حكمها أن: “رقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة يقف مجالها عند حد التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لأحكام الدستور، وهي رقابة لها طبيعة قانونية لا جدال فيها، وبالتالي فلا يسوغ – كأصل عام – التحدي بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته – مهما بلغت أهميته وأبعاده وآثاره – له قوة الدستور لا يجوز نقضه…”.

إن الموقف القانوني للمحكمة الدستورية من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة كما بدا من النصوص المشار إليها خاصة، ومن مجمل ما ورد في الحكم محل التعليق مجافٍ للحقائق الدستورية وأصولها، وهو يستحق التوقف عندها بالبيان والتحليل وذلك على النحو التالي:

  • إن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تتسم بطبيعةٍ فريدةٍ ألا وهي أنها ذات طبيعةٍ دستوريةٍ لارتباطها بالمادة (117) من الدستور، وأنها تندرج ضمن الأعمال البرلمانية الخالصة إذ إن مجلس الأمة ينفرد بإصدارها وتعديلها وإلغائها وفقاً لصريح نص المادة (117) من الدستور وبقرار أو مجموعة قرارات منه، ولم ينص الدستور على صدورها بقانون كما تحاول المحكمة الدستورية أن توحي بحيثياتها، بل نص الدستور على صدورها بقرار من مجلس الأمة منفرداً تحقيقاً لاستقلالية المجلس بتنظيم شؤونه وسيادته على إجراءاته واختصاصاته. وفِي ضوء هذه الطبيعة الخاصة فإنه ليس بإمكان أية سلطة أخرى – نزولاً عند مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات- أن تنظر أو تعقب أو تراقب اللائحة الداخلية للمجلس، بما في ذلك المحكمة الدستورية التي تنحسر ولايتها عن فحص أو نظر مدى دستورية نصوص أو أحكام اللائحة الداخلية لكونها تندرج ضمن الأعمال البرلمانية لمجلس الأمة وتتمتع بطبيعة دستورية تستعصي على المحكمة الدستورية رقابتها، باعتبار أنها صدرت لتنظيم أعمال المجلس البرلمانية وإجراءاته وشؤونه وترتيباته الداخلية. ومن ثم فاللائحة الداخلية برمتها عمل برلماني خالص ذو طبيعة دستورية استناداً للمادة (117) من الدستور. وأداة إصدارها هو قرار أو مجموعة قرارات من مجلس الأمة وهذه هي الأداة التي كان يجب إصدارها بها، إلا أنها قد صدرت بالكويت بالقانون رقم 12 لسنة 1963 وإصدارها بأداة القانون تَزَّيُدِ لا ينال ولا يُغيّر في أساسها الدستوري ولا ينال من قيمتها ولا من طبيعتها الخاصة المذكورة أعلاه، خلافاً لما أوردته المحكمة الدستورية من محاولة للإيحاء بأن صدورها بقانون يُغيّر من طبيعتها، ومن ثم فإن خلاصة ذلك هو أنها – أي اللائحة – خارج نطاق رقابة المحكمة الدستورية بل القضاء برمته لأنها عمل برلماني خالص، ومن ثم فإن تعرض المحكمة الدستورية لها أو لنصوصها وبسط رقابتها عليها، لا تُرتب أثراً ولا تُولّد نتيجةً وليس له أية قيمة قانونية، باعتبار أن ذلك تجاوز لأحكام الدستور وإهدار لمبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات الذي ينحدر بعمل – أي سلطة أو جهة تتعرض لنصوصها، بما في ذلك المحكمة الدستورية – لتصبح كالعدم لصيرورتها عملاً مادياً بحتاً فلا يكتسب قيمةً قانونيةً ولا يُحدث أي أثرٍ إطلاقاً.
  • إن ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن المادة (117) من الدستور هي تأكيد لفكرة استقلال السلطة التشريعية وانفرادها بإدارة كافة شؤونها وتنظيمها بعيداً عن تدخل أي سلطة كانت، وهذه المادة الدستورية (أي المادة (117) من الدستور) أوضحت بأن مجلس الأمة هو الذي يضع لائحته الداخلية، بمعنى أن مجلس الأمة ينفرد لوحده بوضع اللائحة تأكيداً لفكرة استقلاله من جهة، وتعزيزاً لفكرة أنه سيد قراراته في شأن ما قد يعن له من اختصاصات وما يحدده من إجراءات من جهة ثانية، وهو ما من شأنه أن يجعل المادة (117) أساساً جوهرياً للائحة الداخلية لمجلس الأمة التي تُعد متممةً للمادة (117)، باعتبار أن ما ورد بالمادة (117) من الدستور([17]) هو تفويض دستوري كامل لمجلس الأمة بوضع هذه اللائحة بحيث يضفي على اللائحة الداخلية لمجلس الأمة طبيعة دستورية تنبثق وترتبط بالمادة (117) وتعلو في مكانتها عن بقية القوانين نظراً لطبيعة هذه اللائحة من الناحية الدستورية بالإضافة لاعتبار أن كل ما يأتي في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة هو من ضمن الأعمال البرلمانية الخالصة التي ينفرد البرلمان في وضعها، ومن ثم يستعصي على أي سلطة أن تتدخل بها أو تنال من أحكامها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللائحة الداخلية بما ورد بها من نصوصٍ وأحكامٍ وفقاً لما قررته المادة (117) وبارتباطها الوثيق بالدستور تكون خارج إمكانية أن تبسط المحكمة الدستورية أو غيرها من المحاكم رقابتها عليها أو تخضعها لاختصاصها باعتبار أن ذلك يُعد اقتحاماً لميدان السلطة التشريعية وافتئاتاً مباشراً على فكرة التوزيع الدستوري للاختصاصات والذي أفرد مجلس الأمة بهذا الاختصاص الجوهري تعزيزاً لاستقلاله وسيادته وأنه سيد قراراته بشأن تنظيم شؤونه البرلمانية على وجه الاستقلال بصورةٍ كاملةٍ، من خلال لائحته الداخلية وأحكامها.
  • المحكمة الدستورية سبق لها أن قررت بشكل حاسم في قرارها التفسيري رقم 26 لسنة 1996 أن لائحة مجلس الأمة ذات طبيعة دستورية ومكملة لأحكام الدستور.

    إن النتيجة المترتبة عما سبق، هو أنه إذا كانت اللائحة الداخلية بهذه المكانة وبهذه المنزلة، فمن ثم لا يجوز أن تأتي أي محكمة أياً كان موقعها أو طبيعتها لتتدخل في ما يتعلق بأية إجراءات أو أحكام ترد في هذه اللائحة لكون ذلك مما ينفرد باختصاصه البرلمان (مجلس الأمة) بعيداً عن رقابة أي جهة كانت، وهنا ندرك بأن القرار التفسيري بشأن الطلب رقم 26 لسنة 1996 والذي أصدرته المحكمة الدستورية بتاريخ 8/1/1997 بشأن طبيعة اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حينما وصفتها بأنها ذات طبيعة دستورية ومكملة لأحكام الدستور، حكم صحيح في فهم وتفسير معنى وطبيعة اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وهذا الموقف من المحكمة ليس جديداً ولا منفرداً، فقد سبق لها أن استشهدت بالمادة (122) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة في قرار تفسيري للمادة (99) من الدستور رقم 3 لسنة 1982، وفي سياق مماثل.
  • وفي ضوء ذلك، فإن صدور اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بقانون يعتبر تزيّداً لا يلغي طبيعتها الخاصة ولا يُغير من مكانتها التي حددتها المادة (117) من الدستور، وهو ما يعني عدم جواز أن يتم النيل من أحكامها أو إجراءاتها باعتبارها عصية على الرقابة القضائية بعيدة عن نطاقها لكونها تُنظم الأعمال البرلمانية الخالصة لمجلس الأمة. ومن ثم لا تنبسط عليها رقابة القضاء إطلاقاً بما في ذلك المحكمة الدستورية، فليس للقضاء ولاية أياً كان نوعها على اللائحة الداخلية، ومن هنا فإن الحكم الذي صدر من المحكمة الدستورية بالطعن رقم 6 لسنة 2018 (محل هذا التعليق) باعتباره للمادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بأنها غير دستورية يُعتبر حكماً قد تجاوز نطاق اختصاص المحكمة الدستورية وطبيعتها، حينما اقتحمت ميدانا مما ينفرد به البرلمان لكونه يندرج ضمن الأعمال البرلمانية، ومن ثم أحقيته في تنظيمها بلائحته الداخلية استنادا للتفويض الدستوري المقرر في المادة (117) من الدستور، وعليه فإن حكم المحكمة الدستورية الصادر في هذا الخصوص لا يجد له قيمة ولا ينتج أثراً قانونياً ولا يرتب أي نتيجة باعتبار أنه قد تجاوز على مبدأ يسمو على كافة السلطات بما فيها المحكمة الدستورية ألا وهو مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات، وهو ما يجعل هذا الحكم متجاوزاً في أحكام الدستور خارجاً عن سياق أحكامه وجاء من قبل المحكمة الدستورية في نطاق وفي موضوع ليس لها ولاية عليه إطلاقاً، مما يعد حكمها لا يتجاوز أن يكون عملاً مادياً مما ينحدر بعملها إلى مرحلة العدم أو العمل المادي البحت الذي لا يرتب أي أثر ولا ينتج أي حكم وليس له أية قيمة قانونية في هذا الصدد.

رابعاً- غياب المصلحة المباشرة والصفة كأساس للطعن:

إن إجراءات الوصول للمحكمة الدستورية منضبطة ومحددة، ومن بينها بيان صفة الطاعنين ومدى توافرها والمصلحة المرجوة([18])، ولا يمكن تخطي استيفاء تلك الإجراءات ولا متطلباتها حتى من قبل المحكمة الدستورية ذاتها، وبالتأكيد ليس بمقدور أية جهة أدنى منها أن تتخطى ذلك ومن باب أولى (سواء كانت غرفة المشورة التابعة للمحكمة الدستورية، أو لجنة فحص الطعون، أو أي محكمة موضوعية يتم الدفع أمامها بعدم دستورية قانون أو لائحة)، وهو ما أقرته المحكمة الدستورية ذاتها منذ وقت طويل بقولها إنه: “لما كانت الدعوى الدستورية نظراً لطبيعتها كدعوى عينية تستهدف التشريع المطعون عليه بالعيب، فقد وضع المشرع إجراءات تحريكها وشروط قبولها والاختصاص بنظرها على نحو خاص مرسوم، وكانت تلك الإجراءات من مقومات الدعوى الدستورية، فإن ولاية المحكمة الدستورية بالفصل في دستورية القوانين واللوائح لا تنعقد إلا باتباعها، لتعلقها بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي قصد به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها، وإلا كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة في حال تجنب تلك الإجراءات”([19]).

وقد جانب المحكمة الدستورية الصواب في الحكم الماثل محل التعليق حينما قبلت قرار غرفة المشورة بالمحكمة الدستورية والذي قررت فيه قبول الطعن رقم (6) لسنة 2018 على أنه جدير بالنظر وقيده في سجل المحكمة “طعن مباشر دستوري” إذ إن قرارها منتقد فهو معيب لتخلف تحقق شرط المصلحة المباشرة والصفة اللازمة في الطاعن لقبول طعنه، وفقاً للتفصيل التالي.

1- الشروط والضوابط الشكلية لقبول الطعن:

إن من أهم الضوابط والشروط لقبول أي طعن مباشر أو غير مباشر أمام المحكمة الدستورية ذاتها أو أي جهة أدنى مرتبطة بها أو بالدعوى الدستورية، ما يلي:

(أ)- أن يكون الطاعن له صفة ومصلحة مباشرة في الطعن بعدم دستورية القانون أو اللائحة، وهو أمر لا يُفترض ولا يُبنى على القرائن بل لا بد أن يكون بيّناً وجلياً ومباشراً ليتم قبول الطعن بعدم الدستورية، وهو ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 109 لسنة 2014 بشأن المحكمة الدستورية التي جاء فيها أنه: “تضاف إلى القانون رقم 14 لسنة 1973 المشار إليه مادة جديدة برقم (رابعة مكرراً) نصها كالآتي: لكل شخص طبيعي أو اعتباري الطعن بدعوى أصلية أمام المحكمة الدستورية في أي قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة إذا قامت لديه شبهات جدية بمخالفته لأحكام الدستور، وكانت له مصلحة شخصية مباشرة في الطعن عليه”. كما قررت المحكمة الدستورية ذاتها عندما أشارت إلى أنه يجب أن: “..تكون للطاعن مصلحة شخصية مباشرة والتي لا يقبل الطعن في غيبتها، ومفاد ذلك أنه لا يكفي لقبول الطعن المباشر مجرد أن يكون النص التشريعي المطعون عليه مخالفاً في ذاته للدستور، بل يتعين أن يكون تطبيق هذا النص على الطاعن قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً، أو أن يكون تطبيقه عليه راجحاً وأن الإضرار به صار محتملاً”([20])، وبذلك استوجبت غرفة المشورة في قرارها أن تكون المصلحة مباشرةً وغير محتملةٍ، وهو الأمر الذي لا ينطبق على الطاعن في هذا الحكم محل هذا التعليق وهو خلل بين نال من سلامة الحكم ويعيب مسلك المحكمة بتجاوزه.

كما أن المحكمة الدستورية قضت بأن: “مناط قبول الدعوى الدستورية أمامها رهين بقيام الدليل على وجود ضرر لحق الخصم من جراء تطبيق النص المطعون عليه”([21])، وهو الأمر الذي لا ينطبق على الطاعن الذي يدعي أنه تضرر من عدم إسقاط عضوية نائب الدائرة الثالثة د. وليد الطبطبائي والدعوة لإجراء انتخابات تكميلية، إذ إن الضرر على افتراض وجوده غير شخصي وهو عام، والمصلحة محتملة وليست مباشرة ونظرية وليس عملية([22]). وقد ذهبت المحكمة الدستورية في حكم سابق لها إلى أن: “المصلحة المعتبرة قانوناً يجب ألا تكون محض مصلحة نظرية، غايتها إما إبطال النصوص إبطالاً مجرداً…ومتى كان ذلك، وكانت الطاعنات – وهن كويتيات- غير مخاطبات أصلاً بالحكم الوارد بالنصوص المطعون فيها، بما تنتفي مصلحتهن في الطعن عليها، مما يتخلف معه مناط قبول الطعن، ومن ثم يكون حرياً بالتقرير بعدم قبوله”([23]).

المحكمة الدستورية ناقضت أحكامها السابقة فيما يتعلق بالقيمة الدستورية للائحة الداخلية ومقتضيات المصلحة والصفة في الدعوى.

لقد استقرت المحكمة الدستورية ذاتها في كافة أحكامها السابقة على تحديد أكثر دقة للمصلحة الشخصية المباشرة للطاعن، عندما أشارت إلى أنه: “يُشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة الشخصية المباشرة للطاعن في طعنه..ويتحدد مفهوم تلك المصلحة باجتماع شرطين: أولهما: أن يُقدم المدعي الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً ومستقلاً بعناصره، ممكناً إدراكه ومواجهته بالحكم بعدم الدستورية، وليس ضرراً نظرياً أو مُجهلاً، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفع ذلك الضرر، وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا لم يكن النص قد طبق على المدعي أصلاً فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية. وشرط المصلحة إنما ينفصل دوماً عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه”([24]). وهو نفس الموقف الذي قضت به المحكمة الدستورية العليا المصرية في أحكام عديدة([25]).

إن كل الأحكام السابقة التي تشرح الاتجاه المتواتر والمستقر لمفهوم وشروط المصلحة المباشرة الذي سارت عليه المحكمة الدستورية وبتفصيل وتوصيف دقيق وضوابط واضحة للمصلحة الشخصية والمباشرة، على نحو يؤكد انتفاءها وعدم تحققها في الحكم محل التعليق، وهو ما يجعل حكم المحكمة الدستورية محل التعليق معيباً بعيب جوهري يهبط بالحكم لدرجه العدم؛ إذ إنه غير قائم على أسس تبنى عليها الدعوى بعدم الدستورية.

المحكمة الدستورية في نظرها للطعن على المادة 16 بسطت رقابتها على الأعمال البرلمانية المتمثلة في قرار اسقاط العضوية من عدمه وهو ما لا يجوز.


(ب)-
أن يتقيد الطعن بمواعيد تسمح بقبوله شكلاً ونظره شكلياً قبل المضي بفحصه موضوعياً، سواء أكان طعناً بعدم الدستورية، أو كان من الطعون الانتخابية وهي التي تقدم بعد فترة محددة من إجراء الانتخابات ولا يمكن أن ينفتح باب الطعن من خلال إجراءاتها (بناء على عبارات لا تمت للقانون بصلة مثل الإعابة على قرار مجلس الأمة بعدم إسقاط العضوية (وهو قرار برلماني صرف)، بحيث يكون من الممكن قانوناً أن يفتح باب الطعن بقرار عدم إسقاط عضويتي النائبين المذكورين أعلاه مدخلاً للطعن بعدم دستورية المادة (16) من قانون اللائحة الداخلية، فهذا الأساس مُنبت الصِّلة بكل القواعد والمسلمات القانونية، لا قيمة له ولا يُعوَّل عليه ولا يُلتفت إليه إطلاقاً)، ولا يصلح أساساً مدخلاً للطعن بعدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963، وهو الأساس المنبت الصلة بدعوى عدم الدستورية والذي قبلته المحكمة مجافيةً لحكم القانون والمستقر من أحكامها المتواترة.

2– سلطة المحكمة الدستورية في نظر الطعن شكلاً وموضوعًا:

(أ)- من الناحية الشكلية: إن مناط قبول ونظر المحكمة الدستورية للطعون التي تدخل في اختصاصها وولايتها، هو أن يتصل الطعن بالمحكمة ويصلها بإجراءات صحيحة قانوناً، أما إن تنكب أي طعن يحال إليها الطريق القانوني الصحيح ليكون مصاباً بعوار بيّن في إحالته إليها نظراً لفقدانه شروط وضوابط نظره ولائياً أو قبوله شكلياً (على التفصيل الذي أوردنا أعلاه) وهو الحال في الطعن الذي تم قبوله في الحكم الماثل محل هذا التعليق، فإن المحكمة الدستورية حتماً وقولاً واحداً لا تملك نظره لانحسار ولايتها عنه وعدم اختصاصها بنظره مما كان يستوجب عليها رفضه شكلياً بلا تردد حفاظاً على مرجعيتها الدستورية وانسجاماً مع أحكامها المتواترة والمستقرة بعدم ولايتها بنظر الأعمال البرلمانية وإن غلفت بطعن عدم دستورية لا وجود له من جهة لانعدام الصفة والمصلحة المباشرة، وللغاية غير المشروعة للنيل من قرار برلماني خالص تحت غطاء الدعوى الدستورية من جهة ثانية، وأخيراً كان الأولى أن تنأى المحكمة بنفسها ومكانتها بألا تسمح بأن تتحول كما لو كانت هيئة تحكيم سياسي، وليست محكمة قانون، بل محكمة ذات مرجعية قانونية ودستورية في الدولة.

وفِي ضوء كل ما تقدم فإن المحكمة الدستورية كانت لا تملك سوى الحكم بعدم نظر الطعن لخروجه عن اختصاصها الولائي ولا تقيدها إحالة تنكبت صحيح حكم القانون حتى لو جاءت الإحالة من غرفة المشورة التابعة لها، أما قبولها الطعن وفصلها فيه بالحكم بعدم دستورية المادة (16) – رغم ما شابه من عوار- فإنه يصم حكمها بعيب جسيم، ينحدر به لمستوى الأعمال المادية المجردة، التي لا تُنتج أثراً ولا تُرتّب أي قيمةٍ قانونيةٍ لحكمها.

(ب)- من الناحية الموضوعية: لا خلاف أن المحكمة الدستورية هي المختصة بنظر الطعون المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، دون غيرها من المحاكم، وينبغي أن يكون الطعن قُدم للمحكمة بإجراءات اتصلت بالمحكمة اتصالاً صحيحاً لينهض معه اختصاصها بالرقابة عليه، وهو ما تنكب الطريق بشأنه الطعن الذي نبحثه ضمن الحكم محل التعليق الماثل، باعتبار أن الطريق الإجرائي القانوني الصحيح كما سبق وأن أوضحنا أعلاه وهو ما كان يلزم حتماً رفضه من قبل المحكمة الدستورية لخروجه عن ولايتها القضائية. ولو افترضنا جدلاً أن الطعن اتصل بالمحكمة بإجراءات صحيحة، وهو فرض غير صحيح، فإن المسألة الأخرى والأهم هو انحسار ولاية المحكمة الدستورية عن نظر الطعن موضوعياً للأسباب السالف الإشارة إليها أيضاً وعلى وجه الخصوص اتخاذه وسيلة لبسط رقابة المحكمة الدستورية على قرار من صلب الأعمال البرلمانية الصرفة.

وترتيباً على ما سبق فإن المحكمة الدستورية في الكويت في حكمها محل التعليق، لا تملك ولاية النظر في الطعن الماثل لخروجه عن ولايتها موضوعياً. كما أنه لا محل للقول إننا أمام طعن بعدم الدستورية مما تختص به المحكمة الدستورية، إذ إننا في حقيقة الأمر أمام طعن بقرار برلماني لبس لبوس الطعن بعدم دستورية القانون أحياناً ولبس لبوساً يقترب من حالة الطعن الانتخابي أحياناً أخرى، وفِي الحالتين نجد أن سلطة المحكمة الدستورية منحسرة ولائياً تماماً عن نظر الطعن المعروض عليها موضوعياً لكونه من الأعمال البرلمانية من جهة، ولعدم صحة إمكانية قبوله، موضوعياً، سواء كونه طعناً بعدم الدستورية أو طعناً انتخابياً من جهة ثانية. وهو ما نعتقد أنه جانب المحكمة الصواب حينما حاولت أن تتصدى لقرار المجلس، الذي هو عمل برلماني خالص يستعصي على المحكمة الدستورية بسط رقابتها عليه، وهو وجه من وجوه الخروج على أحكام الدستور، وقد افتئت هذا الخروج عن مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات، وهو العوار الجسيم الذي شاب حكم المحكمة محل التعليق.

خامساً- المغالاة بشأن المساس بالسلطة القضائية وتعطيل الأحكام القضائية:

في نهجٍ مغال فيه وبعيد عن وقائع الطعن المنظور، وفيه افتئات على اختصاصات السلطة التشريعية، اعتبرت المحكمة الدستورية في حكمها أن: “تطبيق المادة (82) من الدستور وإخضاعها لإجراءات معينة وأغلبية خاصة لإسقاط العضوية، بما فيها حالة فقد شرط من شروط العضوية كأثر حتمي لحكم قضائي بات، بحيث (جعلت كون) هذا الأمر رهيناً بمشيئة المجلس وتقديره في إسقاط عضويته، مما يعد تدخلاً من (قِبل) السلطة التشريعية في أعمال السلطة القضائية..”، معتبرةً أن ذلك ينطوي على تمييزٍ غير جائزٍ ومنهي عنه في تطبيق أحكام القضاء. ومما لاشك فيه أن هذا القول غير سديدٍ ووجه ذلك بأن تطبيق مجلس الأمة لمقتضيات ومتطلبات المواد  (82) و(84) و(111) و(117) من الدستور والمادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بل واستصحاباً لحكم المادة (50) من قانون الانتخاب، هي ممارسة أصيلة لاختصاصاتٍ دستوريةٍ منحتها السلطة التأسيسية الأصلية لمجلس الأمة باعتباره المُعبّر عن إرادة الأمة في إطار نظام ديمقراطي، السيادة فيه للشعب يمارسها على النحو المنصوص عليه في أحكام الدستور، ضمن الحدود الفاصلة لتوزيع الاختصاصات بين السلطات، ولذلك فإن تطبيق هذه القواعد لا يُعد افتئاتاً على اختصاصات أي من السلطات الأخرى، بل إن كافة المواد الدستورية المشار إليها (82) و(84) و(111) و(117) وغيرها من المواد تضمنت تمييزاً في إجراءات خصت بها أعضاء مجلس الأمة لطبيعة مركزهم القانوني وهو تمييزٌ مقصودٌ وإيجابي وليس منهياً عنه كما أوردت المحكمة الدستورية خطأً في حيثياتها.

كما أن المادة (16) من اللائحة تنص على إجراءات مناقشة مسألة وموضوع إسقاط العضوية البرلمانية والتي تمر أولاً باللجنة التشريعية، ومن ثم في جلسة عامة لمجلس الأمة بأكمله وسلطته بالتصويت على ذلك بقرار منه، ولا تنص على تصويت على تنفيذ الحكم القضائي من عدمه أو التصويت على أي أثر من آثار الحكم، ولذلك فإن القول بأن تقييد المجلس بإجراءات المادة (16) وتطبيقها يمس السلطة القضائية غير صائب ويجانبه الصواب، ولو سلمنا بذلك وطبقنا الفهم الخاطئ للمحكمة الدستورية على ضمانات وإجراءات أخرى قررها الدستور ذاته بالنسبة لاختصاصات قانونية أخرى في مجال إجراءات العفو والمحاكمات الجزائية لوجب إلغاء مواد دستورية وقانونية أخرى وهي مغالاة غير سديدة وليست بمحلها.

كما إن إعمال مجلس الأمة لأحكام وإجراءات المادة (16) لا يُعد بحال من الأحوال تعطيلاً للأحكام القضائية وافتئاتاً على السلطة القضائية، حيث إن الجهات المكلفة بتنفيذ هذه الأحكام هي جهات تنفيذ الأحكام التي تتبع وزارة الداخلية والسلطة التنفيذية. أضف إلى ذلك أن التصويت بعدم إسقاط العضوية لا يمنع تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة بحق أعضاء مجلس الأمة، لكنه فقط يحتاج إلى إذن من المجلس ووفقاً لإجراءاته، وهو ما نصت عليه صراحة المادة (111) من الدستور التي تشترط موافقة المجلس بشأن كل إجراء جزائي يتم بمواجهة عضو مجلس الأمة، كما أنه لا يعد بأي حال من الأحوال تدخلاً في أعمال السلطة القضائية لأن تنفيذ الأحكام ليس من اختصاص السلطة القضائية.

وإلى جانب ذلك يُعد القول بانطواء تطبيق أحكام وإجراءات المادة (16) على تمييز غير جائزٍ ومنهي عنه من الناحية الدستورية على أساس أن الأحكام القضائية الباتة تُطبق على المواطنين ولا تُطبق على أعضاء مجلس الأمة، مردوداً ولا حجية له، فالأحكام بحق الأعضاء تظل قائمةً ولا تسقط ولا تنفذ إلا بإذن المجلس وبعد استيفاء كافة إجراءاته وفقاً للمادة (111) من الدستور وغيرها، وعلى وجه الخصوص المادتين (82) و(84) وكلاهما تحتاج لقرار من المجلس، الأولى لإسقاط العضوية، والثانية لإعلان خلو مقعد عضو مجلس الأمة والذي لا يُعلن إلا بقرار من المجلس وفقاً لصراحة نص المادة (84) من الدستور.

سادساً- الحكم يتضمن تزيداً في غير محله:

بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه من تزيّد أوردناه في مواضع مختلفة، فقد تضمنت حيثيات حكم المحكمة الدستورية تزيداً في غير محله يصل إلى حد الافتئات على اختصاصات مجلس الأمة، حيث جنحت في فقرتها الأخيرة قبل النطق بالحكم إلى النص على إجراءات يجب على المجلس اتخاذها تتضمن إنفاذ حكم المادة (84) من الدستور، أي إعلان خلو مقعد النائب والدعوة إلى انتخابات تكميلية، وذلك “لزوماً دون أي تراخٍ أو إبطاء أو ترخصٍ أو تقديرٍ”. ولا شك أن الحكمة وروح التعاون تقتضيان الابتعاد عن استخدام مثل هذا التدخل المنهي عنه وعدم استخدام مثل هذه المصطلحات واحترام اختصاصات السلطات الدستورية الأخرى، إذ إن إسقاط عضوية أي نائب وإعلان خلو مقعده يقتضيان انعقاد مجلس الأمة وتصويت أعضائه بالأغلبية وفقاً لأحكام المادة (117) من الدستور والمواد (16) و(18) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والمادة (50) من قانون الانتخاب.

سابعاً- الدور السلبي لمجلس الأمة والحكومة في الحكم:

في منطوق حكمها نصت المحكمة الدستورية على أنها: “نظرت الطعن في الجلسة المعينة لنظره على الوجه المبين بمحضرها، وفيها حضر الطاعن بشخصه ومحاميه، وصمما على الطلبات، كما حضر ممثل إدارة الفتوى والتشريع عن الحكومة وفوض الرأي للمحكمة”، وهو ما يؤكد غياب ممثلين لمجلس الأمة عن الجلسة رغم أن القضية تتعلق في جوهرها باختصاصاته الدستورية والموضوعية، وهو ما نستغربه ونعده قصوراً كبيراً تتحمل مسؤوليته رئاسة المجلس ومكتبه، وهذه سابقة خطيرة أن يقف مجلس الأمة موقف المتفرج في طعن أعلن به ولم يقم بواجب إبداء الرأي بشأنه خصوصاً وأن وقائع الطعن مُوجهة للنيل من قراره الذي أصدره بأغلبيته في جلسة 30/10/2018، كما أن الموقف الحكومي بدوره منتقد بسبب أهمية اللائحة في تنظيم علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية وفي بيان وحفظ اختصاصات الحكومة ووزرائها داخل مجلس الأمة وفي التعامل مع أعضائه من خلال الأسئلة البرلمانية ولجان التحقيق والاستجوابات وغيرها، وكان عليها أن تنتصر وتساند الموقف الدستوري السديد لا أن تتخذ موقفاً سلبياً.

ثامناً- آثار ونتائج الحكم:

إن منطوق حكم المحكمة الدستورية قرر ما يلي: “عدم دستورية المادة (16) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963، مع ما يترتب على ذلك من آثار”، وهو ما يعني:

1- أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية قد جاء معيباً شكلياً وموضوعياً ومتعدياً على الدستور ومبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات متجاهلاً أن اللائحة الداخلية برمتها هي عمل برلماني خالص لا ولاية للمحكمة عليه، مما يترتب عليه وفقاً للتفصيل الوارد في هذا التعليق تداعي الحكم وانحداره للعمل المادي الصرف الذي لا يحدث أثراً قانونياً ولا يرتب نتيجةً فهو والعدم سواء.

2- بافتراض أن حكم المحكمة الدستورية صحيح – وهو غير صحيح – فإن الحكم قد قرر إنهاء وجود المادة (16) من يوم صدورها، وهو ما يعني تلقائياً استمرار وجود المادة (50) من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962، فقد كانت المادة (16) ألغت المادة (50) لتعارضها مع حكمها.

3- أما وأن المادة (16) تم إنهاء وجودها بحكم عدم دستوريتها، فإنه يترتب على ذلك تلقائياً بقاء نص المادة (50)، وهي التي تنظم آلية وإجراءات إسقاط المجلس لعضوية أعضائه، ومن ثم فإن قرار المجلس الصادر بجلسة 30/10/2018 برفض إسقاط عضوية النائبين د. وليد الطبطبائي ود. جمعان الحربش يظل سارياً منتجاً لكافة آثاره، لأن حكم المحكمة الدستورية – إن اعتبرناه قائماً ومنتجاً- يقتصر على عدم دستورية المادة (16) وأثره يعيد المادة (50) من قانون الانتخاب للوجود، وقد قضت المحكمة الدستورية بأن: “الأصل في القاعدة القانونية هو سريانها اعتباراً من تاريخ العمل بها على الوقائع التي تتم في ظلها حتى إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدةً جديدةً تعين تطبيقها اعتباراً من تاريخ نفاذها وإهمال القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد مجال إعمال كل من القاعدتين من حيث الزمان، الذي نشأ مكتملاً من المراكز القانونية – وجوداً وأثراً- في ظل القاعدة القانونية القديمة يظل محكوماً بها وحدها”([26]).

4- وفي جميع الأحوال فإنه ليس للحكم أي أثر على القرار البرلماني الذي أصدره المجلس بجلسة 30/10/2018 برفض إسقاط عضويتي النائبين المذكورين لكونه صدر صحيحاً ومنتجاً لآثاره، وهو ضمن ما يملكه المجلس من اختصاص وصلاحيات في أن يقرر رأيه بإسقاط العضوية وفقاً للمادة (82) من الدستور، وآليتها وفقاً إجراءات المادة (16) من اللائحة الداخلية، وبفرض أن المادة المذكورة لا وجود لها فسند المجلس في إصدار القرار المذكور يستمر صحيحاً ومستمداً من نص المادة (50) من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1963.

5- وخلاصة لكل ما تقدم، تكون نتيجة كل ما سبق هو سلامة قرار مجلس الأمة برفض إسقاط العضوية وهو قرار منتج لأثره ولا يطاله أثر حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة (16)، إذ إن المحكمة الدستورية لا تملك أي ولاية للتعرض لقرار المجلس لدخوله في عداد الأعمال البرلمانية وهو ما أكدته المحكمة الدستورية في حكمها ذاته بالبند خامساً. ومن ثم فإن قرار المجلس برفض إسقاط العضوية قائمٌ ومنتجٌ لآثاره وأخصها استمرار عضوية النائبين المذكورين. إن قرارا برلمانيا صدر من قبل مجلس الأمة برفض إسقاط عضوية العضوين الطبطبائي والحربش، تماماً كما سبق لمجلس سابق أن رفض إسقاط عضوية العضو خلف دميثير. وبناء عليه فإن القرار البرلماني يستمر سارياً ومنتجاً لأثره وهو استمرار عضوية النائبين المذكورين، وحتى لو افترضنا أن حكم المحكمة الدستورية غير معيب (وهو معيب في المصلحة والاختصاص الولائي وفي اقتحام ميدان يختص به المجلس منفرداً، فصار هو والعدم سواء)، ولذلك فإن أثر حكم المحكمة لا يمكن أن يُغيّر في قرارات برلمانية نافذة أصدرها المجلس، ولا يمكن أن يُوجَّه المجلس في كيفية التصدي لإسقاط عضوية أعضائه وإعلان خلو مقاعدهم؛ لأنه ليس من اختصاص المحكمة ذلك، وذكرها لذلك هو تزيد لا قيمة له، خصوصاً وأن المحكمة أشارت في حكمها ذاته أنها لا تملك التصدي للأعمال البرلمانية لعدم امتداد ولايتها لها، وهو ما يعني أن المحكمة جاءت بالنقيضين في ذات الحكم، وهو ما يؤكد خروجها عن ولايتها القضائية.

الخاتمة:

إن مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات إلى جوار العديد من المبادئ الدستورية الراسخة، ترسم حدوداً فاصلةً وجوهرية بين السلطات الثلاث، بحيث أنها تقف حائلًا دون أي سلطة وإمكانية التدخل في أعمال سلطة أخرى، ومن ثم فإن الحفاظ على سموّ الدستور وعلوّ مكانته هو مسؤولية مشتركة لكافة السلطات ولا تقتصر على سلطة دون أخرى، ذلك أن مظنّة التجاوز على أحكام الدستور وإهدارها متصورة بحق كل سلطة منها، ومن هنا ينهض مبدأ “السلطة تحدّ السلطة” ليكون ضمانة فعالة في إطار نظام ديموقراطي للأخذ بفكرة الرقابة المتبادلة، ومن وراء كل ذلك قدرة صاحب السلطة الأكبر والسيادة – ألا وهو الشعب- في مراقبة التزام السلطات باختصاصاتها كما تكرس ذلك المادة (6) من الدستور التي تنص على أن: “الأمة مصدر السلطات جميعاً”، وهو ما يجعل ما جاء في الحكم محل التعليق مشوباً بتجاوز صارخ للعديد من المبادئ الدستورية، وفي مقدمتها مبدأ التوزيع الدستوري للاختصاصات بين السلطات، حينما نظرت المحكمة الدستورية في عدم دستورية نص المادة (16) من اللائحة الداخلية، وهي لا تملك اختصاصاً ولائياً بذلك، إذ أنها – أي المحكمة – إنما بسطت رقابتها على عمل برلماني صرف، وقبلت دعوى في حقيقتها لُبّست لبوس الدعوى الدستورية للنيل من قرار المجلس والذي هو أيضاً عمل برلماني بما شاب حكم المحكمة محل هذه الدراسة بعوار جسيم انحدر به إلى مدارج الأعمال المادية البحتة، التي لا ترتب أثراً قانونياً ولا تكتسب أية قيمة أو حجية على الإطلاق. فضلاً عن غياب شرطيّ الصفة والمصلحة الشخصية في الدعوى محل الحكم الوارد في هذا التعليق على نحو يهدر كافة أحكام المحكمة الدستورية السابقة والتي فصلت في تحديد وتوصيف المصلحة الشخصية المعتبرة، التي تكون أساساً قانونياً سليما لقبول الدعوى الدستورية، وخلاصة هذا التعليق هو أن حكم المحكمة الدستورية محل هذه الدراسة جاء مجافياً للحقائق الدستورية المستقرة وللمستقر من أحكام المحكمة ذاتها المتواترة في هذا الشأن، فضلاً عن مجافاته لمبادئ الدستور وأركانه الراسخة مما يترتب عليه أن يكون هو والعدم سواء.


([1]) انظر قرار المحكمة الدستورية رقم 6 لسنة 1996 والذي قضى بأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تتمتع بصفة دستورية وأنها متممة لأحكام الدستور.

([2]) د. محمد عبدالمحسن المقاطع، الوسيط في النظام الدستوري الكويتي ومؤسساته السياسية، الكويت، 2006، ص 467.

([3]) انظر حكم المحكمة الدستورية الألمانية الفيدرالية لسنة 1983 الذي نص على أن: الحفاظ على مبادئ وأحكام ومقتضيات النظام الأساسي الألماني (الدستور) ليس مسؤولية المحكمة الدستورية الفيدرالية وحدها، بل أيضا مسؤولية ووظيفة كيانات دستورية أخرى مثل الرئيس الفيدرالي والبرلمان الألماني”. مُشار إليه لدى: الزين مازن الصباح، سلطة القضاء الكويتي في حل البرلمان، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون الكويتية العالمية، الكويت، مارس 2016، ص 58.

([4]) يمكن إدراك ذلك القصد بقرار غرفة المشورة بالمحكمة التي قررت جدية الطعن المباشر متجاهلة حقيقته وأنه في حقيقته طعن انتخابي لُبّس لبوس الدعوى الدستورية وتجرده من المصلحة المباشرة وهو ما تكشف حقيقته تلك عبارة الطعن التي جاء فيها (أن مصلحته هي إلغاء المادة المذكورة وإعلان خلو مقعد النائب المشار إليه والدعوة لانتخابات تكميلية بالدائرة حيث يعتزم خوضها خاصة وأنه مقيد بالدائرة الثالثة) وتتوافر فيه شروط الترشيح.

([5]) حكم الدستورية رقم 2/1982 صادر بتاريخ 28/6/1982، وحكم رقم 1/1994، صادر بتاريخ 17/5/1994. وحكم رقم 3/1994 صادر بتاريخ 29/6/1994.

([6]) حكم المحكمة الدستورية رقم 13/2015 دستوري بتاريخ 16/12/2015.

([7]) د. عثمان عبدالملك الصالح، النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت، ط2، مؤسسة دار الكتب، الكويت، 2003، ص 549.

([8]) د. محمد عبدالمحسن المقاطع، “الوسيط في النظام الدستوري ومؤسساته السياسية، الكويت، 2006، ص 350-351.

([9]) حكم المحكمة الدستورية رقم 3/1994 دستوري بتاريخ 29/6/1994.

([10]) حكم المحكمة الدستورية رقم 3/1994 دستوري بتاريخ 29/6/1994.

([11]) القضية رقم 38/24 ق.د. جلسة 11/5/2003، المجموعة ج 10، ص 1047.

([12]) قضاء مجلس الدولة، الدعوى رقم 45931 لسنة 66 ق بتاريخ 23/10/2012.

([13]) انظر حكم المجلس الدستوري الفرنسي في قضية (آلان Allain) رقم 98538 بتاريخ فبراير 1989، حيث قضى بعدم جواز نظر مجلس الدولة في قرارات السلطات الدستورية التي تمارس تطبيقا للاختصاصات المنصوص عليها في الدستور واستنادا لمبادئ الفصل بين السلطات الدستورية. مشار إليه لدى: الزين مازن الصباح، مرجع سابق، ص 72-73. راجع كذلك مجموعة القرارات الكبرى للمجلس الدستوري الفرنسي من إعداد وتعليق:

Favoreu, Philip et Autres: Les grandes décisions du Conseil constitutionnel , éd. Dalloz, 18ème edition, Pp.175-233.

كما استقرت أحكام مجلس الدولة الفرنسي كذلك على عدم اختصاص القضاء الإداري بالرقابة على الأعمال البرلمانية احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات. انظر:

Conseil d’Etat Ass. 5 mars 1999, Président de l’Assemblée nationale. Les grands arrêts de la jurisprudence administrative, Par: Long, Weil et autres, éd. Dalloz, 21ème edition, Pp.694-703.

([14]) انظر: حكم المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية لسنة 1983 عندما رفضت الطعن المقدم على تصويت برلماني على سحب الثقة من حكومة المستشار هيلموت كول باعتباره عملا وإجراء برلمانيا يجد أساسه في المادة 68 من الدستور الألماني، رغم المؤاخذات التي قدمت بشأنه لأنه هو من تقدم به وطلب من نواب تحالفه الموافقة عليه بعدما أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدم تحالفه في حالة إجراء انتخابات مبكرة. وهو ما أكدته أيضا في حكم ثان لها في سنة 2005، عندما أقدم المستشار شرويدر على قرار مماثل. مشار إليهما لدى: الزين مازن الصباح، مرجع سابق، ص 58-59.

([15]) راجع مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا في أربعين عاما. إصدارات المحكمة الدستورية، 1969- 2009. الجزء المتعلق باختصاصات المحكمة الدستورية، ص 172 وما بعدها.

([16]) المرجع السابق.

([17]) انظر قرار المحكمة الدستورية بشأن التفويض الذي تضمنته المادة (117) من الدستور لمجلس الأمة للانفراد بوضع لائحته الداخلية بقرار منه.

([18]) د. محمد عبدالمحسن المقاطع، دراسة في اتجاهات القضاء الدستوري الكويتي، مطبوعات جامعة الكويت، 1999، ص 67.

([19]) الحكم رقم 5 لسنة 1994 دستورية في 22 أبريل 1995.

([20]) قرار غرفة المشورة في الطعن المباشر المقيد برقم 1 لسنة 2016، بتاريخ 25 مايو 2016.

([21]) حكم الدستورية رقم 28 لسنة 2014 دستوري بتاريخ 9 مارس 2016.

([22]) حكم الدستورية رقم 28 لسنة 2015 دستوري بتاريخ 23 مارس 2016.

([23]) قرار غرفة المشورة في الطعن المباشر المقيد برقم 1 لسنة 2017 بتاريخ 23 مايو 2017.

([24]) الحكم رقم 15/1997 دستوري بتاريخ 8 مارس 1997، الحكم رقم 1/2004 دستوري بتاريخ 3 أبريل 2004، الحكم رقم 9/98 دستوري بتاريخ 16 يناير 1999، الحكم رقم 2/1998 دستوري بتاريخ 25 أبريل 1998.

([25]) القضية رقم 42/18 ق.د. جلسة 4/11/2000 المجموعة ج 9. ص 770. القضية رقم 41/11 ق.د. جلسة 8/11/2000 المجموعة ج 9، ص 758. القضية رقم 40/11 ق.د. جلسة 8/11/2000 المجموعة ج 9 ص 753.

([26]) حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 166 لسنة 34 قضائية (دستورية) الصادر بجلسة 23/10/2012.