تُشَكِّلُ المجالسُ التشريعية والبرلمانية إحدى أهم المؤسسات الدستورية والسياسية في العالم أجمع؛ لأنها تُعَدُّ التعبير الأسمى عن إرادة الشعب وسيادته، وفيها – ومن خلالها – تُتَخذ القرارات الحاسمة في حاضر الشعوب ومستقبلها، وهو ما يمثل التجلي الأبرز للديموقراطية والمشاركة السياسية؛ ولذلك فإن مطالب البلدان ونضالاتها، من أجل التحرر والاستقلال، ارتبطت – في الأغلب – بالمناداة بإنشاء البرلمانات والمجالس التمثيلية؛ ولم تكن دولة الكويت استثناءً من ذلك، حيث كان إنشاء المجلس التشريعي مطلبًا تاريخيًّا يعود إلى بداية القرن العشرين، وقد مرَّ بمحطات تراكمت بعضها فوق بعض، توجتها إصلاحات توافقية تضمنت كتابة دستور للبلاد، من خلال مجلس تأسيسي منتخب، وسن قانون انتخابات، واختيار أول مجلس أمة في العام 1963.
ومنذ بدء الحياة الدستورية، فإن مجلس الأمة أصبح مؤسسة فاعلة، ومحورًا تدور حوله الأحداث والإجراءات والتطورات، ويتنافس المترشحون، من مختلف الأطياف والتوجهات، على الفوز بمقاعده.
وفي ضوء الاختصاصات الدستورية التي تشمل التشريع والرقابة، والممارسات البرلمانية والسياسية على أرض الواقع، كان أداء مجلس الأمة يختلف بين فترة وأخرى؛ وفق العوامل الداخلية للمجلس والظروف المحيطة؛ لكن الإنجاز التشريعي كان – ولا يزال – هو العامل الرئيس في التقييم، وقد كان يؤخذ على المجلس – في غالب فصول انعقاده – الاستغراق في الرقابة على حساب التشريع؛ وهو الأمر الذي شهد تَغيُّرًا في الفترة الأخيرة.
وفي السطور التالية سنتناول ملامح هذا التغيير، من خلال الأرقام والإحصائيات الرسمية التي وزعتها أجهزة المجلس، ثم نقدم بعض العوامل والمؤشرات التي تعكسها هذه الأرقام، وذلك على النحو التالي:
– لقد سجل «مجلس 2022» (الفصل التشريعي السابع عشر) رقمًا قياسيًّا في عدد الأنشطة البرلمانية في فترة المائة يوم الأولى، وجاء الفصل التشريعي السابع عشر في صدارة الفصول الأربعة الأخيرة (الرابع عشر – 2013، والخامس عشر – 2016، والسادس عشر – 2020، والسابع عشر – 2022) من حيث الإنجازات:
– إقرار القوانين: أنجز الفصل التشريعي السابع عشر (خلال المائة يوم الأولى) 120 تشريعًا؛ تنوعت بين: ستة قوانين عامة، و41 ميزانية، و73 حسابًا ختاميًّا؛ بينما أقر مجلس 2016 (الفصل التشريعي الخامس عشر) قانونين اثنين، وميزانية واحدة فقط. في حين لم تقرّ أي قوانين في الفصلين التشريعيين الرابع عشر والسادس عشر (في الفترة نفسها).
– الأنشطة النيابية: سجل مجلس 2022 رقمًا قياسيًّا (خلال الفترة المقصودة) مقارنة بغيره من المجالس التشريعية الثلاثة السابقة؛ إذ قدم نوابه 1816 سؤالًا، في حين قدم النواب في مجلس 2020 (الفصل التشريعي السادس عشر) 1520 سؤاًلا، و771 في مجلس 2016 (الخامس عشر)، مقابل 446 سؤالًا في مجلس 2013 (الرابع عشر).
– الاقتراحات بقوانين: جاء الفصل السابع عشر في صدارة الفصول في تقديم الاقتراحات بقوانين؛ فقد شهد تقديم 525 اقتراحًا بقانون خلال المائة يوم الأولى من بداية الفصول التشريعية، في حين شهد الفصل التشريعي السادس عشر 433 اقتراحا بقانون، والفصل الخامس عشر 390، فيما جرى تقديم 212 اقتراحًا بقانون في الفصل الرابع عشر.
– الاقتراحات برغبة: تصدر الفصل التشريعي السابع عشر الفصول التشريعية؛ حيث قدم نوابه 768 اقتراحًا برغبة، وفي الفصل التشريعي الخامس عشر تم تقديم 406 اقتراحات برغبة، وشهد الفصل التشريعي السادس عشر 357 اقتراحا، مقابل 285 اقتراحا برغبة في الفصل الرابع عشر.
– الرسائل الواردة: جاء مجلس 2022 في الصدارة أيضا بتقديمه 93 رسالة، مقابل 36 رسالة في مجلس 2016، و4 رسائل في مجلس 2013، في حين لم يشهد مجلس 2020 تقديم أي رسائل خلال فترة المائة يوم الأولى.
– اجتماعات اللجان الدائمة والمؤقتة: تصدر مجلس 2022 الفصول التشريعية من حيث عدد الاجتماعات؛ فبلغ عدد اجتماعات اللجان في الفصل التشريعي السابع عشر 238 اجتماعًا، مقابل 184 اجتماعا في الفصل التشريعي الخامس عشر، و174 اجتماعًا في الفصل السادس عشر، و81 اجتماعًا في الفصل الرابع عشر.
– تشكيل اللجان البرلمانية: يعد مجلس 2022 هو الأكثر تشكيلا للجان؛ حيث شكل 28 لجنة دائمة ومؤقتة، مقابل 22 لجنة في مجلسي 2020 و2016، و15 لجنة في مجلس 2013. كما تصدر الفصل السابع عشر الفصول الثلاثة الأخرى من حيث عدد تكليفات اللجان، وتكليفات ديوان المحاسبة، وتقديم التوصيات.
– وفي قراءة سريعة لهذه النتائج، فإنها تشكل إنجازًا تشريعيًّا غير مسبوق، يعود في الأساس إلى نوعية أعضاء المجلس الذين تحلّوا بروح المبادرة، وامتلكوا الإرادة السياسية الحقيقية للتعاون مع السلطة التنفيذية، والرغبة الصادقة في التوافق على أولويات وخارطة تشريعية، والتعاون والتنسيق بدلًا من التنافر والتنازع!
– صحيح أن بعض التشريعات التي صدرت تضمنت قصورًا ونقصًا، بسبب التسرع وعدم تفعيل الأدوات التشريعية السليمة، من خلال الاستعانة باللجان والمستشارين والمختصين، لكن ذلك لا يشكك في حجم الإنجاز وتأثيره ونهجه، ولا يقلل من قيمته المادية التشريعية والمعنوية القيمية.
إن ما تحقق يشير إلى أن تعاون السلطتين (التشريعية والتنفيذية)، وتوافقهما وتركيزهما على الأولويات الوطنية والشعبية هي وصفة حقيقية للإنجاز والبناء والتنمية المنشودة، والحفاظ على مصالح البلاد والعباد، وهي البيئة والقيم التي حث عليها الدستور ومذكرته التفسيرية، والتي يجب أن تراعيها وتنطلق منها الممارسات الواعية والعقلانية لمختلف الأطراف.
لقد بثت هذه المرحلة في الأمة روح التفاؤل والأمل والارتياح، وأعادت إليها الوهج والإشعاع الحقيقي للدور التشريعي المبادر لمجلس الأمة، والذي حفز مجلس الوزراء على العمل والمبادرة؛ لأنه هو من يهيمن على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية وفقا للمادة (123) من الدستور.