أ.د. بدرية عبد الله العوضي
تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العقود الأخيرة واحدة من أهم الاتجاهات الاستثمارية في العالم، مثلها في ذلك مثل المشاريع الاستثمارية الكبرى التي تتعلق بالشركات والدول، وذلك في ضوء حجم الأموال الموجهة لها، وعدد ونوعية الأطراف ذات العلاقة بها، وآثارها المباشرة وغير المباشرة على الفئات التي تمارسها أولاً، ثم على المجتمعات، والاقتصادات، والدول، والأمم.
فهذا النوع من المشروعات مسؤول على ثلثي الوظائف في العالم بحسب بيانات رسمية لمنظمة العمل الدولية ولمنظمة الأمم المتحدة، كما أنّها تشكل أحد أبرز محركات النمو الاقتصادي والاجتماعي بمعدل نسبة تتجاوز الـ %50 من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان، وتصل إلى %70 في بلدان أخرى، كما تسهم هذه المشروعات بنحو %60 من الناتج المحلي الإجمالي في قطاع الخدمات، حيث تزدهر هذه المشروعات لتلبية المتطلبات المتزايدة لهذا القطاع.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة، فإنّ الشركات التي تعمل في هذه المشروعات تمثل أكثر من %90 من جميع الشركات في المتوسط، وهي تعتبر تبعاً لذلك جهات فاعلة في تحقيق الانتعاش الأخضر، ولذلك فقد خصتها بيوم عالمي هو يوم الـ 21 يونيو من كل عام للاحتفاء بدورها التنموي العالمي، وتقديم كافة أنواع الدعم والمساندة لجهود الجهات القائمة عليها والمنظمة لها والعاملين بها. ويشمل ذلك إنشاء موارد مالية دولية للتمويل والمساعدة، وتقديم خدمات التأهيل والتدريب، والتوعية، والتعليم، وغيرها.
وبسبب أهميتها على المستوى المحلي في توفير فرص عمل للفئات المختلفة، سواء من الخريجين أو الفئات الأقل تعليماً أو غيرها، وما يحققه ذلك من نمو اجتماعي واقتصادي، فقد أقرت الدول – المتقدمة والنامية على حد سواء – تشريعات وقوانين تنظم هذا النوع من المشروعات، وتنشئ أطراً وهياكل لتنظيمها بما يسهل تفعيلها وتنمية تأثيرها.
وفي هذا الإطار، أصدرت دولة الكويت القانون رقم 98 لسنة 2013 بإنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك كمؤسسة عامة مستقلة، يبلغ رأسمالها ملياري دينار كويتي، تكون مهمتها دعم المشاريع التي يؤسسها مواطنون، بدءاً من دراسة الجدوى والتدريب، ومروراً بالتنفيذ والإنتاج والتسويق والمساعدة في الإدارة، وانتهاء بضمان ديمومة واستمرارية المشروعات التي ثبت نجاحها.
ويتكون هذا القانون من 33 مادة، وجاء في ستة أبواب، تنظم: إنشاء الصندوق، وأغراضه، وإدارته التي تتكون من مجلس إدارة ورئيس تنفيذي، وحاضنات المشروع ومراحل دعمه، وتمويل المشروعات وإجراءاتها، والحوافز والمزايا المقدمة للمشروعات. وقد تم تعديل القانون باتجاه بيان وتوضيح طبيعة الصندوق واختصاصاته في عام 2018، حيث شمل ذلك المواد (1، 5، 6، 7، 12، 13، 16، 17، 18 مكرر، 26، 29، 31)، والتي تضمنت بياناً فيما يتعلق بدور الإدارة واختصاصات وصلاحيات الوحدات، وإجراءات دراسة طلبات المشروعات وإصدار القرار بشأنها، وطرق التظلم في مواجهتها.
ولتفعيل القانون، فقد تم تشكيل الهياكل الإدارية للصندوق، بما في ذلك مجلس الإدارة وتعيين الرئيس التنفيذي من قبل مجلس الوزراء، الذي يتولى بدوره إنشاء وحدات إدارية، وقد دشن الصندوق عمله بالفعل في تمويل المشروعات، حيث أشارت تقارير صادرة عنه بأنّه قدم تمويلاً خلال السنوات الأولى إلى أكثر من 300 مشروع بعد الموافقة عليها وفق الإجراءات القانونية والإدارية المعتمدة، كما أشارت تقارير أخرى إلى أنّه في الوقت نفسه رفض قبول وتمويل 700 مشروع آخر، وذلك لأسباب قانونية وإدارية، تتعلق بنوعية المشروعات ودراسات الجدوى المتعلقة بها ونطاقها وغيره، وهو اختصاص أصيل للصندوق وإدارته، بما يساعد في النهاية في اختيار المشروعات والمبادرات الجديدة التي تشكل إضافة للاقتصاد المحلي.
لكن النقاش القانوني والإداري الذي يثار في هذه المرحلة يتعلق بضوابط سياسات الصندوق وأعماله وبضرورة وضع معايير أكثر انضباطاً فيما يتعلق بجدوى وجدية المشروعات ومراقبة تمويلها وإنفاقها، وإيجاد صيغ وأشكال أكثر مرونة وفعالية في رعاية واحتضان المشروعات والمبادرات، وتوسيع نطاقها بما يسمح للمبادر وصاحب المشروعات الكويتي بتوسيع أعماله في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها. كما أن أعمال التدريب والاستشارة والمساعدة في التخطيط والإدارة تحتاج بدورها إلى تطوير وتعزيز بما يسهم في إنجاح المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتنميتها بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية.
إن الإطار القانوني المنظم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لا ينحصر في إطار قانون الصندوق فقط، بل يتعداه ليشمل مختلف القوانين الأخرى المنظمة للعمل التجاري والاستثماري والشركات وغيرها، وهو ما يحتاج من المشرع إلى اهتمام خاص بذلك، كما أن الإدارات ذات الصلة بهذا النوع من المشروعات تشمل عدداً من الوزارات والجهات والهيئات، وهو ما يستوجب من الحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي للدولة بإيلاء هذا القطاع اهتماماً متزايداً برصد ميزانيات التدريب، والتأهيل، والشراكة، والتمويل.