نظرية الضرورة وأثرها على الالتزامات التعاقدية في ظل جائحة كورونا: دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي
د. إسلام هاشم سعد
أستاذ القانون المدني المساعد، قسم القانون
كلية العلوم والدراسات الإنسانية بالدوادمي
جامعة شقراء، المملكة العربية السعودية
الملخص
يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل والمقارنة أحكام نظرية الضرورة وأثرها على الالتزامات التعاقدية في ظل جائحة كورونا في كل من القانون المدني والفقه الإسلامي. ولمّا كانت العقود والشروط تفرض التزامات على المتعاقدين، إعمالا للمبدأ العام: «العقد شريعة المتعاقدين»، والمقصود به هو احترام مضمون العقد، سواء من المتعاقدين أنفسهم أو من القضاء، وقوام ذلك مبدأ سلطان الإرادة، وعليه فإنّ العقد كأحد مصادر الالتزام هو عنوان الالتزام بين المتعاقدين، وبالتالي فإنّه يتعيّن عليهما تنفيذه في جميع ما اشتمل عليه، وهذا ما نجده في معظم التشريعات العربية، ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقّعها، وترتّب على حدوثها أنّ تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدّده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحدّ المعقول، وكل اتفاق خلاف ذلك يقع باطلاً.
ونحن بصدد هذا الوباء العام والذي خلّف بعض آثاره على العقود والالتزامات بلا شك، باعتبار أنّه أوجد صدعاً بين المتعاقدين، قد يتعثّر معه تنفيذ الالتزامات بينهما، من ذلك تأخره في تنفيذ التزامه، وهو ما يوصف قانوناً بمماطلة المدين، ممّا يرتّب عليه المسؤولية العقدية للإخلال بالالتزام العقدي، والمقصود هنا الالتزامات التعاقدية التي يتراخى أجل تنفيذها في الزمن، وهو بلا شك سبب أجنبي لا يد للدائن والمدين فيه حال دون تنفيذ الالتزام. وتُعدّ نظرية الضرورة من أهم النظريات التي اتجهت إليها أبصار رجال الفقه الإسلامي ورجال القانون منذ زمن، بل قعّدوا لها من القواعد ما يتناسب مع ما ألمّ بالعالم أجمع الآن في ظل جائحة كورونا، من خلال وسائل الحماية التي وضعتها الشريعة الإسلامية في مبدأين مهمين هما: (الضرورات تبيح المحظورات) و(الضرورة تُقدّر بقدرها)، وتخرج من رحمها نظريتا الظروف الطارئة والقوة القاهرة.
والواقع أنّ الإشكالية التي قد تواجه المتعاقدين والقاضي هي تصنيف الجائحة، إمّا إلى قوّةٍ قاهرةٍ أو إلى ظرفٍ طارئٍ، فإذا كنّا أمام التزام يستحيل تنفيذه كنّا أمام قوّةٍ قاهرةٍ، أمّا إذا كنا أمام التزام يصعب تنفيذه فنحن إذاً أمام ظرفٍ طارئٍ.
ولمناقشة هذا الموضوع وإشكاليته، فقد اعتمد البحث على المنهج المقارن، بالوقوف على مفهوم كل من نظرية الضرورة والظروف الطارئة والقوة القاهرة، وشروط ونطاق تطبيق كل منهم، ومن ثم المقارنة فيما بينهم، كدراسة قانونية وفقهية نبرز فيها أوجه الشبه والاختلاف. إنّ نظرية الضرورة نظرية شاملة لكل فروع القانون، وأساسها افتراض قيام خطر جسيم يهدّد التزاماً معيناً، وهو ما استدعى تقسيم البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسة: يعرض أولها إطلالة موجزة على نظرية الضرورة، ثم يتناول ثانيها الظروف الطارئة والقوة القاهرة والجائحة بين القانون المدني والفقه الإسلامي، فيما تمّ تخصيص ثالثها لآثار نظريتي الظروف الطارئة والقوة القاهرة على العقود في ظل جائحة كورونا.
وانتهى البحث في خاتمته إلى أنّ بيان المعيار الأهم للتفرقة بين الظروف الطارئة والقوة القاهرة؛ فإذا كان تنفيذ العقد يرهق المدين فإنّنا نكون أمام ظرف طارئ، أمّا إذا أصبح تنفيذ العقد مستحيلاً، فإنّنا نكون أمام قوة قاهرة. ثمّ أوصى البحث القاضي بمراعاة أقصى حدّ للإبقاء على القوة الملزمة للعقد، عن طريق إحالة الدعوى للجان فض المنازعات التي تعرض عليهم إعادة صياغة التزاماتهما بطريقة تحقّق التعادل في الالتزامات.
كلمات دالة: المسؤولية العقدية، الظروف الطارئة، القوة القاهرة، الحادث الفجائي، مبدأ سلطان الإرادة، التوازن العقدي، استحالة التنفيذ.