الآليات الرقابية لحماية حقوق الإنسان
د. يوسف البحيري
أستاذ القانون الدولي وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض – مراكش – المملكة المغربية
الملخص
تسعى هذه الورقة البحثية إلى عرض الآليات الرقابية الدولية لحقوق الإنسان، المتمثلة في الاتفاقيات القانونية الملزمة، وعمل الهياكل والأجهزة التي أنشأتها تلك الاتفاقيات بما يدعم ويعزز حقوق الإنسان الأساسية، التي تواجه تحديات كبرى في السنوات الأخيرة. إن هذه الاتفاقيات الدولية تتضمن مجموعة من الآليات لتفعيل دور المؤسسات الوطنية في مجال تعزيز سيادة القانون، بالرغم من أن الدول تبدي نوعا من الحساسية المفرطة لتشبثها بسيادتها الوطنية معتبرة قضايا سيادة القانون جزءا من مجالها المحفوظ التي ترتبط بسلطانها الداخلي.
وفي هذا الإطار، يمكن للمؤسسات الوطنية لما تتوفر عليه من مهارات وإمكانيات تؤهلها أن تكون شريكا فعليا للدولة في مجال تعزيز سيادة القانون والحكم الرشيد وحماية حقوق الإنسان، حيث غالبا ما يلجأ إليها الأفراد لرفع تظلماتهم من كل أشكال تعسف السلطة، وهو ما يمنحها تزويد الدولة بواسطة تقاريرها السنوية، دراسة تحليلية لجميع أشكال التجاوزات في مجال سير الإدارة وخروقات حقوق الإنسان ومكامن الخلل والمحدودية في مردودية الإدارة والمرافق العامة، وتوظيف هذا التعاون لتوجيه جهود الدولة لتكون أكثر فعالية في حماية المواطنين من جميع أشكال التعسف.
وفي هذه الورقة، يمكن ملامسة دور المؤسسات الوطنية في تعزيز الحكم الرشيد وحماية حقوق الإنسان في أمرين اثنين هما:
أولا- دور مؤسسات الوسيط Ombudsman في تعزيز الحكم الرشيد، حيث تقوم المؤسسات الوطنية بدور أساسي يندرج في سياق الوساطة المؤسساتية ombudsman لتكريس مبادئ الحكم الرشيد والشفافية وسيادة القانون وتقويم اختلالات سير الإدارة وحماية حقوق المرتفقين، وذلك من خلال تلقى شكاوى المواطنين في مجال تجاوزات الإدارة والتحقيق بشأنها واقتراح التدابير والإجراءات لمعالجة هذه الانتهاكات ونشر التقارير وتعميمها من أجل النهوض بالإدارة وحماية حقوق المرتفقين. وتجب الإشارة إلى أن مؤسسات الوسيط رأت النور في الدول الاسكندينافية وتسمى Ombudsman حيث تقوم بدور الوسيط بين الدولة والشعب، ومن أجل ذلك تتمتع بمجموعة المقومات التي تؤهلها بالقيام بالرقابة على إعمال حقوق الإنسان والتي تتجسد في الاستقلالية والحياد والصلاحيات الواسعة للتحقيق عن تجاوزات الإدارة وإصدار التقارير وتعميمها داخل البلد وضمانات حماية أعضائها من جميع أشكال الضغط والترهيب والتخويف.
ثانيا- دور المؤسسات الوطنية في حماية حقوق الإنسان، إذ تمثل مبادئ باريس لعام 1991 مرجعية أساسية لتحديد مفهوم المؤسسات الوطنية ودورها الاستشاري في مجال حقوق الإنسان، وقد اعتبرت مبادئ باريس المؤسسة الوطنية في مجال حقوق الإنسان هيئة منشأة بحكم الدستور أو بمقتضى القانون لأداء وظائف معينة في حقوق الإنسان. كما قررت لجنة حقوق الإنسان، وضع مبادئ إرشادية من أجل تشكيل المجال الوظيفي للمؤسسات الوطنية وتحديده في تحقيق الأهداف الآتية:
أن تساعد في تثقيف الرأي العام وفي تعزيز الوعي بحقوق الإنسان واحترامها؛
أن تقدم المشورة بشأن أي مسألة تتعلق بحقوق الإنسان تحيلها الحكومة إليها؛
أن تدرس وضع التشريعات والقرارات القضائية والترتيبات الإدارية الخاصة بتعزيز حقوق الإنسان،
أن تعمل بانتظام، وأن تكون سبل الوصول إليها متاحة لأي فرد من أفراد الجمهور أو أي سلطة عامة؛
كما تؤكد المبادئ بأن المؤسسات الوطنية تتحمل مسؤولية تلقي شكاوى الأفراد بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. وتنص المبادئ على أنه يجب أن تستند وظائف المؤسسات الوطنية في هذا الصدد على المبادئ التالية:
التماس التسوية الودية عن طريق التوفيق أو القرارات الملزمة أو غير ذلك من الوسائل؛
إخطار مقدم الالتماس بحقوقه وبسبل الانتصاف المتاحة له، وتيسير وصوله إليها؛
نشر المعلومات عن حقوق الإنسان والتعليم والتثقيف في مجال حقوق الإنسان؛
تقديم توصيات إلى السلطات المختصة، بما في ذلك تقديم مقترحات بشأن تعديل القوانين أو الممارسات الإدارية التي تعرقل حرية إثبات الحقوق؛
وخلصت الورقة إلى أن حقوق الإنسان تشكل جسدا واحدا لا يتجزأ ولا يقبل التراتب بين مكوناته، وأن التقسيم الذي ساد لفترة بين الحقوق والحريات الشخصية والمدنية من جهة وبين الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى تقسيم زائف ولم يعد له مجال.