التدخل القضائي في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي في التشريع الجزائري
أ. د. طاشور عبد الحفيظ
أستاذ القانون الجنائي- كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة الأخوة منتوري- قسنطينة – الجزائر
الملخص
إن التوسع السريع لرقعة الحقوق والحريات دفعت بالمشرع الجزائري إلى تبني نظام التدخل القضائي في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي، وذلك سنة 1972 وتعديله سنة 2005. هذا المسلك الحديث يرتبط بالمفاهيم الأساسية المرتبطة بالدولة وعلاقتها بالفرد، ومفهوم العدالة ووظيفتها، إلى جانب دور القاضي في تجسيد مبادئ العدالة وحماية الحريات الفردية. كل ذلك يضاف إلى أن أساس سلطة الدولة في إنزال العقاب مسألة مستقرة علميا وعمليا منذ زمن بعيد, أن الكشف عن دور القاضي في المجتمع، مسألة بالغة الأهمية في عالم أصبحت فيه سلطة القاضي تخضع لضوابط تم سنها حفاظا على حقوق الأفراد، ومن أجل ذلك استدعى الأمر إخضاع نشاطاته لأشكال متعددة من الرقابة، التي يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى حد تقرير مسؤوليته.
لقد حدد القانون الجزائري لإصلاح السجون وإعادة تربية المساجين، الدور العام المسند لقاضي تطبيق الأحكام الجزائية وحصره في المهام التالية: تشخيص الجزاءات في مرحلة التنفيذ وتحديد أنواع العلاج، ومراقبة تطبيق تشخيص أنواع العقوبات و العلاج .
إن ميلاد نظام قاضي تطبيق الأحكام الجزائية، وإن كان يؤكد الاعتراف ببعض الحقوق لفائدة المحكوم عليهم من جهة، فإنه من جهة أخرى يجسد في المجالين، العلمي والعملي الاعتراف بالهدف الجديد الذي رسمه المشرع للجزاء الجنائي، ألا وهو إصلاح المحكوم عليه من خلال إعادة تأهيله الاجتماعي ومعه السهر على حماية حقوقه الأساسية خلال مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي.
إن مهمة قاضي تطبيق الأحكام الجزائية، الذي يندرج نشاطه ما بين المجالين الإداري والقضائي, تُعد بحق مهمة متشعبة و يزداد تشعبها إذا ما علمنا أو أخذنا بعين الاعتبار أن النص عليه أتى خاليا من أي إشارة تخص مركزه القانوني، مثل ما إذا كان يشكل هيئة قضائية مستقلة أو ما إذا كان ينتمي إلى القضاء الجالس أو إلى قضاء النيابة، ذلك أن نصوص 2005 لم تحدد الطبيعة القانونية لمركزه ومنزلته ضمن الجهاز القضائي، كما أنها أتت خالية من أية إشارة تتعلق بالطبيعة القانونية لما يصدره من قرارات، أي ما إذا كانت هذه القرارات قضائية أم إدارية. و لا يخفى على رجل القانون مدى خطورة سكوت المشرع بالنسبة لهذه الجوانب، كما أن العارف بالمسائل الإجرائية يدرك بشكل جيد مدى أهمية هذه المسألة، وما مدى انعكاساتها على نشاط القاضي من جهة، ومن جهة أخرى على المركز القانوني للمحكوم عليه كمحل للقرارات المتخذة.
وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، فإننا سنقوم في مرحلة أولى التعريف بصلاحيات هذا القاضي، ثم في مرحلة ثانية محاولة الكشف عن منزلته ضمن القضاء الجزائي، ويكون ذلك بإتباع المحاور التالية: صلاحيات قاضي تطبيق الأحكام القضائية، ثم مكانة قاضي تطبيق الأحكام الجزائية في النظام القضائي الجزائي.