التنظيم التشريعي الجديد للوساطة في المنازعات الإدارية في القانون الفرنسي
د. سماح خمان
أستاذ قانون المرافعات المساعد – كلية القانون الكويتية العالمية
الملخص
لا يثور أي خلاف اليوم حول الإشكالية التي تحوم حول اللجوء إلى قضاء الدولة لتسوية المنازعات بشكل عام، والمنازعات الإدارية بشكل خاص حتى في أكثر الدول تقدماً، ولا يمكن إنكار أهمية البحث عن وسائل بديلة للوصول إلى العدالة التي تفتقدها اليوم مؤسسات العدالة في الدولة، وينشدها كل من الفرد والإدارة على حد سواء. ولا شك أن دراسة الطرق البديلة المستحدثة لتسوية المنازعات الإدارية في التشريعات المقارنة مع بيان طريقة تطبيقها من قبل المحاكم في تلك الدول تنطوي على أهمية بالغة؛ وذلك لأنها قد تسهم بشكل أو بآخر في محاولة القضاء على إشكالية بطء التقاضي في دولنا العربية لاسيما في كل من دولة الكويت وجمهورية مصر العربية.
ومن هنا ارتأينا أن نتطرق من خلال هذا البحث إلى نظام جديد لتسوية المنازعات الإدارية وهو الوساطة بنوعيها الاتفاقية والقضائية بعد أن تبناها المشرع الفرنسي بموجب القانون رقم 1547/2016، وذلك باتباع المنهج الوصفي المقارن الذي تمكنا من خلاله من رسم مبادئ الوساطة ومعالمها النظرية في هذا القانون من جهة، وتوضيح التدابير العملية المتخذة هناك من قبل وزارة العدل ومجلس الدولة لوضع هذا القانون موضع التنفيذ من جهة أخرى. ولعل الإصرار على توضيح هذه الجزئية كان تأكيداً على عدم كفاية تشريع القوانين لتبني الوسائل المستحدثة لتسوية المنازعات بسبب حداثة هذا النظام وعزوف المتقاضين والمحامين عن اللجوء إليه.
توصل الباحث في ختام هذا البحث إلى مجموعة من النتائج، أهمها أن وجود التحكيم أو التوفيق جنباً إلى جنب مع القضاء لا يغني أبداً عن تبني وسائل جديدة تكفل تسوية المنازعات الإدارية إما بشكل ودي تماماً من خلال الوساطة الاتفاقية، أو حتى تحت إشراف القضاء باللجوء إلى لوساطة القضائية، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن تشريع قانون يسمح باللجوء إلى الوساطة بنوعيها لا يمكن أن يغير فكر ووجدان الشعوب البعيدة بطبيعتها عن الحوار، ولا يمكن أن يسمح بتطور هذه الوسيلة المستحدثة، وأن هذه القوانين قد تظل حبيسة الأدراج إن لم تتضافر جهود الفقهاء والقضاء والمحامين لتشجيع المتقاضين على تقبلها واللجوء إليها؛ لذلك انتهى الباحث إلى التوصية بضرورة تبني الوساطة لتسوية المنازعات الإدارية التي تشهد تزايداً ملحوظاً سنوياً في كل من الكويت ومصر، مع التخلي عن فكرة تقديس العلاقات التي يحكمها القانون الإداري والتي لا تمس النظام العام للدولة، كل ذلك مع تسخير ما يستلزمه هذا التشريع من تنظيم هيكلي وإداري مستحدث لتطبيقه على أرض الواقع، مستعينين بذلك بنقاط القوة والضعف التي تم استجلاؤها مما تمخضت عنه التجربة الفرنسية في هذا البحث.
كلمات دالة: بطء التقاضي، الوسائل البديلة، مجلس الدولة، الوسيط، عدالة القرن الـ21.