تجريم تصوير الإيذاء ونشره
أ.د. علي عبد القادر القهوجي
أستاذ ورئيس قسم قانون الجزاء في كلية القانون الكويتية العالمية
الملخص
أفرز التطور الاجتماعي بعض مظاهر السلوك المنبوذة أخلاقياً والمستهجنة اجتماعياً، والتي تستحق عقاب مرتكبها جنائياً. من هذه المظاهر تصوير مشهد الاعتداء على الغير، ثم نشره عن طريق التليفون المحمول أو غيره من وسائل الاتصال الحديثة بغرض التسلية أو الابتزاز أو التهديد أو غير ذلك. وإذا كان الاعتداء – سواء على جسم الإنسان أو عرضه، جريمة في القانون، فإن الأمر ليس كذلك دائماً بالنسبة لفعل تصوير الاعتداء أو نشره، حيث لا يوجد نموذج إجرامي خاص يجرِّم أيّاً من هذين الفعلين في هذه الظروف.
ويحاول الفقه والقضاء الاجتهاد في خضوع هذين الفعلين للنماذج الإجرامية القائمة، وذلك من خلال المساهمة الجنائية التبعية وقواعد الاشتراك في الجريمة، أو جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة الخطر، أو الاعتداء على الحق في الصورة أو القذف أو الإخلال بقواعد خدمة الإنترنت. ولكن تلك المحاولة تصطدم بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات والتفسير الدقيق لقواعد التجريم والعقاب، كما أنها تكون قاصرة وغير كافية لتغطية كل صور وأنواع فعل تصوير فعل الاعتداء ونشره .
ونظراً لأن هذين الفعلين ينطويان على خطورة ذاتية ومستقلة عن فعل الاعتداء، فإنهما يستحقان تجريماً خاصاً ومستقلاً عن طريق تدخل المشرِّع لهذا الغرض تحديداً، حتى يمكن محاصرة تلك الظاهرة الخطيرة ومكافحتها بتشريع خاص وشامل يقرر عقوبة رادعة وفعالة لمرتكبيها، والذين هم بصفة خاصة من الشباب وطلاب المدارس والجامعات وبعض المسؤولين من الشرطة أو السجون. ويعتبر النموذج الفرنسي هو الرائد في هذا المجال، وإن كان يحتاج إلى إعادة نظر لما به من بعض الثغرات، أما النموذج الكويتي فيعالج تلك الظاهرة ضمن ظاهرة أعم وأشمل قد تشترك معها في بعض الأمور، ولكنها تختلف عنها في أمور كثيرة مما يستدعي تدخلاً تشريعياً كويتياً جديداً وخاصاً بتلك الظاهرة بالذات.