تدابير حالة الطوارئ لمكافحة جائحة فيروس كورونا والحريات العامة
أ. د. يوسف البحيري
أستاذ القانون الدولي العام وعميد سابق
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
جامعة القاضي عياض – مراكش – المغرب
الملخص
الملخص
اتخذت كثير من دول العالم عدة تدابير إجرائية لمواجهة جائحة فيروس كورونا، التي خلفت ارتفاعاً في حالات الوفيات واكتظاظاً في المستشفيات بالمصابين بالفيروس، تجلت في فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي، للحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، وإغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية ووضع الحواجز الأمنية للحد من تنقل الأفراد، والرفع من وتيرة التحاليل المخبرية، واتباع بروتوكول علاجي بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا، وآخرها إطلاق تطبيق إلكتروني لتعقب الأشخاص المصابين لمنع تفشي الوباء.
وإذا كانت المواثيق الدولية تسمح بتقييد بعض الحريات العامة الأساسية، في حالة الطوارئ الاستثنائية التي تُهدد أمن وسلامة المواطنين مثل الأوبئة والكوارث الطبيعية، بما يسمح للحكومات أن تتخذ التدابير الوطنية للتقييد المؤقت لبعض الحريات العامة، قصد مواجهة الأزمة الصحية لجائحة فيروس كوفيد-19، إلا إنه يجب أن تكون تلك التدابير منصوصاً عليها في القانون وضرورية ومؤقتة، وتُنفّذ بشفافية، حتى لا تترك للسلطات العمومية أي مجال للإساءة في تفسيرها أو تقييدها بشكل تعسفي، لكن الملاحظ هو أن مكافحة فيروس كوفيد-19 شكلت مناسبة للعديد من الحكومات للسقوط في التعسف في استعمال السلطة واستخدام العنف ضد المواطنين لدرجة أن بعض المجتمعات عانت من الرعب والعنف الممارس من طرف السلطات الأمنية أكثر من تفشي جائحة فيروس كورونا.
ولدراسة هذه الإشكالية، فقد اعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي لدراسة مدى التزام الدول باحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والحريات العامة في تطبيق حالة الطوارئ والتدابير الإجرائية المتخذة في إطار مكافحة جائحة فيروس كوفيد-19. فالمقاربة المنهجية المتبعة في هذا البحث تروم القيام بدراسة وصفية وتحليلية للتدابير والإجراءات المتخذة من طرف الدول في حالة الطوارئ المتعلقة بمكافحة جائحة فيروس كورونا، وتعتمد تتبعاً واستقصاءً دقيقاً يسعى إلى اكتشاف حقيقة أن مكافحة فيروس كوفيد-19 شكلت لبعض الدول فرصة للتعسف وإساءة استخدام السلطة، والقيام بخروقات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والحريات العامة.
وقد اتبع البحث خطة تناولت ثلاثة جوانب رئيسية لملامسة الإشكالية الرئيسية وإعطاء عناصر الإجابة عن السؤال المركزي: هل تشكل الجائحة إعلاناً صريحاً عن التراجع عن كونية حقوق الإنسان والالتزام بضمان مبادئ الحريات العامة للمواطنين؟، حيث تناول الجانب الأول من البحث تدابير مواجهة الجائحة وسيادة الدولة، وعرض الجانب الثاني لإجراءات حالة الطوارئ التي تم اتخاذها، فيما ناقش الجانب الثالث خروقات حقوق الإنسان في تدابير مكافحة جائحة كورونا.
وقد توقف البحث في خاتمته عند الجدل والنقاش اللذين تعرفهما الأوساط القانونية بأوروبا حول التعويض وجبر الضرر الذي لحق بالضحايا، نتيجة التدابير الاستثنائية التي أمرت بها أجهزة الدول طيلة فترة انتشار كوفيد-19، وتحميلها المسؤولية التقصيرية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو ما أكده بعض الفقه الفرنسي بالقول بأنه من الممكن تعويض الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية والتلقيحات الإجبارية والحوادث الطبية وأمراض المستشفيات، التي تسببت في الوفاة أو الإصابة بالعاهات المستديمة.
كلمات دالة: كوفيد-19، حالة الطوارئ، السيادة، الحريات العامة، المجتمع الدولي.