صون الحياة الخاصة للأفراد بين الاضطراب والثبات

أ.د. محمّد كمال شرف الدّين
أستاذ القانون الخاص – كلّيّة الحقوق والعلوم السّياسيّة – جامعة تونس المنار

الملخص

ينطلق البحث من ملاحظة أن حماية الحياة الخاصة ترتكز على موروث إنساني عميق أسهمت فيه الشريعة الإسلامية بشكل ملحوظ ووفرت لها القوانين الوضعية ضمانات جوهرية. ولا جدال في أن الحق في حماية الحياة الخاصة هو من الضمانات المتصلة بقيمة سامية وهي حماية كرامة الفرد كذات بشرية من كل انتهاك. وكرّست الصكوك الدولية والدساتير والقوانين هذا الحقّ بشكل صريح. ولم يمنع التبنّي القانوني الصريح لهذا الحق من تفاقم أوجه التعدي عليه بسبب مفارقة أبانت عن إشكالية جديّة: لقد بدت حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر كمتطلبات للإنسان المعاصر تناولتها بدورها الصكوك الدولية والدساتير بالعناية والدعوة لحمايتها.
إنّ ضمان الحقّ في الحياة الخاصة يشمل عدّة حقوق متفرّعة عنه تتعلق بحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية باعتبارها من مكوّنات شخصية الفرد. وفي الآن ذاته تتفاقم الضغوطات المترتبة عن العمل الإعلامي الذي يُطالب بحرية أوسع وبدور «استقصائي» كاشف للتجاوزات دون أن تحول من تطلّعاته حرمة الحياة الخاصة فهو بالتالي لا ينجو من نزعة التدخل غير المشروع والرغبة في الإثارة وكشف المستور وحتى النيل من الأعراض بغاية أو بأخرى.
إنّ هذه التغيّرات تفرض تصوّر موازنة جديدة بينها وبين ضرورة منع التعدي على الحياة الخاصة وضبط حدود دقيقة لحرية الإعلام والتعبير. فالدستور التونسي الجديد حاول التوفيق بين تكريس صريح للحقّ في حماية الحياة الخاصة والإعلان بأن الدولة هي التي «تحميه»، من جهة (الفصل 24)، وحرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر من أخرى (الفصل 31). ويمكن أن تقوم الموازنة الجديدة على معيار أساس الحقّ أو الحرّية ومدى اتّصاله بكرامة الفرد.
وأمام ظهور مقاربة أولى انتشرت بالخصوص في أوروبا تجعل من حماية الحياة الخاصة مجرّد استثناء لحرية التعبير والنشر، تقترح الدراسة مقاربة أخرى تُرجع لصون الحياة الخاصة مكانته الحقيقية كمبدإ قد يتحمل بعض الاستثناءات ولكنه لا ينحدر إلى رتبة الاستثناء.
وتبدو الآليات الدستورية والتشريعية والقضائية أنجع وسيلة لتدعيم ضمان حماية الحياة الخاصة. وتفرض هذه الآليات أن تتمتع النصوص التشريعية بدقة أكثر في ضبط المعالم الجديدة لضمان حماية الحياة الخاصة وأن تسهر الهيئات الدستورية والقضائية على مراقبة طبيعة ومشروعية القيود التي قد تلحق بالحقوق الأساسية لأهداف متعددة وذلك ضمانا لحماية أنجع لحرمة الحياة الخاصة في جلّ أوجهها المعاصرة (حماية الهوية – حماية المراسلات – حماية الصورة – حماية المعطيات الشخصية – حماية المعتقدات…). وتفرض طبيعة الإشكالية تبني منهجية مقارنة في التحليل باعتبار تشابه التحدّيات التي يعيشها الحق في الحياة الخاصة في كل المجتمعات الحديثة بسبب تطور وسائل الإعلام والاتصال، بما يدعو للاستئناس بالتجارب المقارنة.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)