فاعلية المناطق الاقتصادية الخاصة بين انضباط التنظيم القانوني ومرونة نظام التقاضي: دراسة مقارنة
د. بلال عقل الصنديد
أستاذ القانون العام المشارك – كلية القانون الكويتية العالمية
د. محمود محمود المغربي
أستاذ القانون الخاص المساعد – كلية القانون الكويتية العالمية
الملخص
لطالما شكل التنافس العالمي في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر سمة رئيسة لاقتصاديات العالم المعاصر في مسعى لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة. ومن إرهاصات هذا المنحى العالمي، خلال العقود الثلاثة الماضية، بخاصة، الطفرة غير المسبوقة في انتشار المناطق الاقتصادية الخاصة التي غدت إحدى أولويات السياسات الاقتصادية للدول، وأهم أساليب استقطاب الاستثمارات الأجنبية إليها، إذ بلغ عددها 5400 منطقة اقتصادية خاصة بحسب تقرير الاستثمار العالمي لعام 2019 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، ومن المرتقب إنشاء أكثر من 500 منطقة اقتصادية خلال السنوات القادمة.
واللافت في ذلك، تمايز أشكالها، وتنوع أنماطها، ليس فقط بين الدول بل حتى ضمن الدولة الواحدة، ففي حين يقتصر بعضها على تيسير الخدمات التجارية واللوجستية، يستهدف بعضها الآخر توطين الصناعات الحديثة والتقنيات العالية، وتطوير الخدمات المالية، وتنمية مجالات العلوم والابتكار. ونظراً لعدم وجود نموذج موحّد لمنطقة اقتصادية خاصة يحتذى به من جهة، فضلاً عن ندرة تقارير تقييم الأداء كماً ونوعاً وأثراً من جهة أخرى، انفردت كل دولة في تصميم وتنفيذ مناطقها الاقتصادية الخاصة، بما ينسجم مع رؤيتها التنموية الخاصة؛ ونتيجة لذلك أتت التجارب الدولية، وفق التقرير المذكور أعلاه، شديدة التباين بين نجاحات ملحوظة وإخفاقات ملفتة.
إزاء هذه المشهدية المتناقضة، وبمعزل عن البعد الاقتصادي المهم للمناطق الاقتصادية الخاصة، يرتدي انضباط المنظومة التشريعية من جهة، والمرونة في نظام التقاضي من جهة أخرى، أهمية خاصة في سبيل تحقيق الفعالية والإنتاجية المأمولين من دون إهمال الخصوصيات الذاتية لكل دولة.
وفي ضوء توجه دولة الكويت لإقرار مشروع قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة الشمالية، وإنشاء غيرها من المناطق الاقتصادية استناداً إلى نص الفقرة الثالثة من المادة (4) من قانون تشجيع الاستثمار المباشر في دولة الكويت رقم 116 لسنة 2013، فإنه من الضروري التعمق في بحث تحديات البيئة القانونية المتصلة بإنشاء وإدارة وعمل المنطقة الاقتصادية المرتقبة ومرونة تسوية منازعاتها، وذلك في ضوء واقع التشريع المحلي الذي يحكم عالم المال والأعمال والاستثمار من جهة، والقانون المقارن من جهة أخرى. وفي هذا السياق، تثار عدة تساؤلات مهمة: أولها، عن ماهية الأساس القانوني لإنشاء المناطق الاقتصادية في التنظيم الإداري لدولة الكويت القائم على اعتراف الدستور الكويتي باللامركزية المرفقية والإقليمية، وارتداد ذلك على التبعية الإدارية، والمسؤولية السياسية للوزير المشرف على عمل هذه المناطق ؟ ثانيها، عن الطبيعة القانونية للمناطق الاقتصادية في دولة الكويت، ومدى وجود فروقات في هذا الشأن بين منطقة اقتصادية وأخرى، تبعاً لأداة إنشائها بقانون خاص، أو سنداً للقانون رقم 116 لسنة 2013 المشار إليه، ومدى انطباق مفهوم المرفق العام الاقتصادي عليها، وتأثير ذلك على النظام الوظيفي والإطار القانوني الذي يحكم عملها وتعاقداتها وعلاقتها بالجمهور؟ ثالثها: عن قياس مدى مواءمة نظام التقاضي المعتمد في المناطق الاقتصادية مع المبادئ العامة المتعارف عليها في القانونين المقارن والكويتي.
للإضاءة على هذه الإشكاليات والتساؤلات الدقيقة وغيرها، وقياس ما ينجم عنها من آثار قانونية، سنعتمد منهجاً تحليلياً نقدياً للنصوص القانونية المقارنة مع استخدام كل أساليب البحث والتعمق في المبادئ والأسس النظرية والعملية التي تحكم أفضل الممارسات في المناطق الاقتصادية، في محاولة استعارتها لخدمة التجربة الكويتية المرتقبة.
وعليه، تنقسم الدراسة إلى مطلبين رئيسين: بحيث نتناول في المطلب الأول منهما مدى انضباط التنظيم القانوني للمناطق الاقتصادية الخاصة في دولة الكويت من حيث الأساس والطبيعة القانونية لكل منها، في ضوء المبادئ القانونية العامة والتجارب المقارنة، حيث لا شك في تأثير وحدة وتماسك الإطار القانوني على الفعالية الاقتصادية للمناطق موضوع البحث، على أن نكرس المطلب الثاني للتحقق من مرونة نظام التقاضي المعتمد فيها، وصولاً لخاتمة نضمّنها المقترحات المناسبة لتحقيق التوافق المأمول بين خصوصية المقتضيات المحلية الكويتية، ومتطلبات أفضل الممارسات المعيارية.
كلمات دالة: النظام القانوني للمناطق الاقتصادية، الاستثمار الأجنبي المباشر، الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، المرفق العام، التنمية المستدامة.