التطوّر التاريخي والنظري للدعوى الجنائية وسائل حديثة وتطبيقات معاصرة في التشريع البحريني

أ. د. عمر فخري الحديثي
أستاذ القانون الجنائي
كلية الحقوق، جامعة المملكة
مملكة البحرين

الملخص

يتناول هذا البحث موضوع التطوّر التاريخي والنظري للدعوى الجنائية، مع دراسة وتحليل لعدد من الوسائل والتطبيقات البديلة المعاصرة التي اعتمدها المشرّع البحريني في الفترة الأخيرة، وذلك في إطار مراجعات السياسة الجنائية. لقد أصبح من المسلّم به أنّ مفاهيم العدالة الجنائية لم تعد مقتصرة في واقعنا الحالي على ضرورة المواجهة بين الخصوم، ولا على فرض عقوبات من شأنها تحقيق الردع والزجر والإيلام، بل إنّ السياسة الجنائية الإجرائية لأغلب التشريعات أصبحت تأخذ منحى التيسير والتبسيط في تلك الإجراءات، وإعطاء مجال أكبر للعدالة التصالحية، سواء بين الخصوم أنفسهم، أو بينهم وبين السلطات التحقيقية والقضائية. وفي إطار تحقيق تلك الأهداف، فقد سنّ المشرّع البحريني عديداً من التعديلات المستحدثة في إدارة الدعوى الجنائية في قانون الإجراءات الجنائية، دون مساس باعتبارات المسؤولية الجنائية، ووفقاً للثوابت الدستورية ومن غير الإخلال بالضمانات المقرّرة لأطراف الدعوى الجنائية، ولا بحق الدولة في العقاب.
وتتجلى أهمية هذا الموضوع في التعرّف على الجذور التاريخية والتأصيل التشريعي في الشريعة الإسلامية لبدائل الدعوى الجنائية، وكذلك في إبراز السياسة الإجرائية الحديثة للمشرّع البحريني وفق التعديلات الجديدة في قانون الإجراءات الجنائية التي تمت عامي 2019 و2020، والخاصة باستحداث العديد من بدائل الدعوى الجنائية التي كان من مقتضاها تسهيل الإجراءات، وتخفيف الضغط والعبء عن المحاكم الجنائية، ممّا يوفر الجهد والوقت في إنهاء النظر بالدعاوى الجنائية. وقد اعتمدنا في ذلك على المنهج الوصفي التحليلي، من خلال القراءة التاريخية والموضوعية، والتحليل المتعمّق لموقف الشريعة الإسلامية، وصولاً إلى بيان موقف المشرّع البحريني في قانون الإجراءات الجنائية في تحديد الوسائل الحديثة البديلة للدعوى الجنائية، حيث كان نطاق بحثنا مخصصاَ لبيان موقف الشريعة الإسلامية والمشرّع البحريني في بيان تلك الوسائل. وعمدنا إلى تقسيم البحث إلى مبحثين تناولنا في أولهما الوسائل البديلة للدعوى الجنائية – نظرة تاريخية وتأصيل تشريعي، وأما المبحث الثاني فخصّصناه لبحث السياسة الإجرائية الحديثة للمشرّع البحريني في بدائل الدعوى الجنائية.
هذا وقد انتهى البحث إلى عدة نتائج مهمة، من بينها أنّ أزمة العدالة الجنائية كانت هي سبب التفكير في استحداث طرق بديلة لفض المنازعات في الدعاوى الجنائية، خاصة وأنّها قد أثبتت نجاحها ومرونتها في مجال فروع القانون الخاص، وحظيت بالإجماع والتوافق من قبل الفقهاء، وذلك بالنظر لاستجابتها لروح العصر، وباعتبارها تشكّل مصفاة فعّالة تمنع تحوّل عدد معيّن من القضايا إلى نزاعات. كما أنّ تداعيات أزمة العدالة الجنائية، وتكدس الدعاوى، وبطء الإجراءات وغيرها من الأسباب التي سبق ذكرها قد دفعت بالمشرّع البحريني إلى خلق وإذكاء روح العدالة التصالحية وتنميتها من خلال التعديلات التي أجراها على قانون الإجراءات الجنائية، وذلك باستحداث أنظمة الوساطة والصلح الجنائيين، وكذلك المحاكمة العاجلة مقابل اعتراف المتهم، فضلاً عن تطوير القواعد الخاصة بالأمر الجنائي من خلال التوسع في أحكامه وتطبيقاته.
وقد أوصى البحث المشرّع البحريني بضرورة النص على وقف تقادم الدعوى الجنائية خلال إجراءات الوساطة أو الصلح حتى لا يتضرر المجني عليه من مماطلات المتهم، وإطالة أمدهما حتى تنقضي الدعوى الجنائية بتقادمها. وكذلك بضرورة النص صراحة على عدم إمكانية الاستفادة من الوساطة أو الصلح أو المحاكمة العاجلة مقابل الاعتراف في حالة العود للجريمة؛ لأنّها قد تكون مبرراً لتشجيع بعض الجناة على ارتكاب الجرائم بشكل متكرّر، وذلك لاستفادتهم من تلك الوسائل البديلة للدعوى الجنائية، ممّا يترتب عليه تخلصهم من الجزاءات الجنائية المنصوص عليها قانوناً.

كلمات دالة: عدالة تصالحية، بدائل الدعوى الجنائية، سياسة إجرائية، أزمة العدالة الجنائية، إجراءات جنائية.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)