أسباب الإباحة في القانون الدولي الجنائي
أ.د. علي القهوجي
أستاذ القانون الجنائي – كلية القانون الكويتية العالمية
الملخص
وقوع الجريمة وتوافر أركانها وإثبات نسبتها إلى مرتكبيها، لا يعني بالضرورة معاقبتهم، إذ قد يتوافر مانع مسؤولية فيهم أو في أحدهم، مثل صغر السن، أو مرض عقلي، أو إكراه معنوي، أو حالة ضرورة. فيرفع العقوبة، ولكن الفعل يبقى غير مشروع، فتختفي المسؤولية الجنائية، وتبقى المسؤولية المدنية، كما قد يتوافر سبب إباحة كمثل استعمال الحق، كالدفاع الشرعي، أو أداء الواجب، كتنفيذ أمر القانون، أو أمر الرئيس الشرعي، فيتحول من فعل غير مشروع إلى فعل مشروع، بحيث لا تترتب عليه لا مسؤولية جنائية ولا مسؤولية مدنية، أي لا عقوبة ولا تعويض.
ويقرُّ العِرف الدولي والمبادئ القانونية العامة بوجود أسباب إباحة في القانون الدولي الجنائي، مثل الدفاع الشرعي، والمعاملة بالمثل، وأداء الواجب، كما تنص بعض المعاهدات على بعضها صراحة، مثل ميثاق الأمم المتحدة بالنسبة للدفاع الشرعي. أما نظام روما المعني بإنشاء المحكمة الدولية الجنائية، فلم ينص صراحة على أسباب الإباحة، ولكن نصت المادة (31) منه على موانع المسؤولية، ومنها الدفاع الشرعي، والمادة (33) على أداء الواجب، ولم يرد به نص يتعلق بالمعاملة بالمثل.
ولما كان الدفاع الشرعي يُعتبر سبب إباحة في القوانين الداخلية، وفي العرف الدولي، وفي ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من المعاهدات الدولية، فإننا نعتقد أنه يكون كذلك في القانون الدولي الجنائي، كما أنه لم ينشأ عرفٌ دوليٌ جديدٌ، أو معاهدة دولية تستبعد تماماً المعاملة بالمثل من أسباب الإباحة في القانون الدولي الجنائي.
ولما كان أداء الواجب لا يحتاج إلى تحليل خاصٍ أو إضافة تذكر في مجال القانون الدولي الجنائي كما هو معروف في القانون الجنائي الداخلي، فإننا نقتصر في هذا البحث على دراسة الدفاع الشرعي، والمعاملة بالمثل باعتبارهما من أسباب الإباحة في القانون الدولي الجنائي.