الحق في الحياة الخاصة في القانون الأساسي الفلسطيني: المفهوم  و التحديات

أشرف صيام
عضو هيئة تدريسية في دائرة القانون، كلية الحقوق والإدارة العامة، جامعة بيرزيت، فلسطين

الملخص

إن الطوفان التكنولوجي على اختلاف أنواعه جعل العالم أشبه «بالثوب الشفاف»؛ إذ كشف العموميات والخصوصيات، فكان محقاً الكاتب الأمريكي (آرثر ميللر)، حينما قال: «بان الكمبيوتر، المتميز بشراهته التي لا تشبع للمعلومات، وقدرته على عدم الخطأ أو إمكانية نسيان أي شيء، قد يصبح القلب النابض لنظام رقابة فعَّال، يحوِّل مجتمعنا إلى عالم شفاف، ترقد فيه بيوتنا ومعلوماتنا المالية واجتماعاتنا، وحالتنا العقلية والنفسية والجسمانية كذلك، عارية تماماً، مكشوفة أمام أي شاهد».
إن الحديث عن حريات وحقوق الإنسان الشخصية، يعني الحديث عن حرياته وحقوقه الشخصية بشقيها؛ الأول ما يتعلق بالكيان الروحي (المعنوي) للإنسان، مثل حرية الصحافة وتكوين الجمعيات، وغيرهما. والثاني ما يتعلق بالكيان الجسدي (المادي) للإنسان مثل حرية التنقل، إلا أن هناك حقوقاً من الممكن أن تكون مشتركة بين الشقين، مثل الحق في الحياة الخاصة، وهو ما سوف يكون محل هذه الدراسة.
بالعودة إلى القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003، فان المادة (11/2) منه تنص على أنه: «لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون،…». كما تنص المادة (17) منه على أنه: «للمساكن حرمة، فلا تجوز مراقبتها أو دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب ووفقاً لأحكام القانون. يقع باطلاً كل ما يترتب على مخالفة أحكام هذه المادة،…».
في ظل النصين السابقين ـ اللذين تمت الإشارة إليهما أعلاه ـ يتبادر إلى الذهن معرفة الدور المستقبلي للمحكمة الدستورية العليا الفلسطينية في حماية حق المواطن الفلسطيني في الحياة الخاصة، وما يتبع هذا الحق من حقوق؛ كحماية المراسلات البريدية والبرقية، والمحادثات السلكية واللاسلكية، خاصة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار النظام العام والآداب العامة وخصوصية الحالة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال؛ إذ إن الطرف الفلسطيني ـ بواسطة منظمة التحرير الفلسطينية ـ قد أبرم اتفاقاً مع الطرف الإسرائيلي عرف بـ «اتفاق أوسلو»، والذي نصَّ مع ملاحقه على إلزام السلطة الوطنية الفلسطينية بمجموعة من الالتزامات في الشق الأمني (البروتوكول الخاص بإعادة الانتشار والترتيبات الأمنية)، ومن ثمَّ فإن اتفاق أوسلو يشكل نقطة تماس مع القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 لجهة معالجتهما للحق في الحياة الخاصة، مما يقرر أهمية الكشف عن آلية معالجة كل منهما لهذا الحق، مع الأخذ بعين الاعتبار مناطق التكامل والتناقض بينهما بهدف إيجاد التوازن المطلوب ووضع الحلول المناسبة التي تساعد القاضي الدستوري في مهمته.
ونظراً لافتقار المكتبة القانونية الفلسطينية لمثل هذه الدراسات، وحداثة التجربة الفلسطينية على صعيد الرقابة الدستورية، وخاصة الضمانة القضائية الدستورية لحقوق الأفراد وحرياتهم، فإنه سوف يتم اتباع المنهج التحليلي الوصفي؛ إذ سوف يعمد الباحث إلى تحليل النصوص القانونية ذات الصلة الدستورية منها والعادية، بغية إبراز الدور الذي من الممكن أن يقوم به القاضي الدستوري الفلسطيني لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وعلى وجه الخصوص الحق في الحياة الخاصة.
سوف يجيب الباحث في هذه الدراسة عن التساؤلات التالية: ما هو المقصود بالحق في الحياة الخاصة؟ وما هي قيمته الدستورية؟ وكيف عالج كل من اتفاق أوسلو والقانون الأساسي الفلسطيني المعدَّل الحق في الحياة الخاصة؟ وأيهما يعتبر المرجعية الأولى للقاضي الدستوري؟ وما هو دور القاضي الدستوري في حماية وضمان الحق في الحياة الخاصة؟ وكيف يمكنه أن يفسر الحق في الحياة الخاصة؟ وهل للإنسان مطلق الحرية للتصرف في حياته الخاصة أم أنه يجب أن يراعي متطلبات النظام العام والآداب العامة؟
وعليه سوف يتم تقسيم الدراسة إلى مبحثين: في المبحث الأول سوف يتم الطرق إلى ماهية الحق في الحياة الخاصة، أما المبحث الثاني فسوف يخصص لمعالجة القاضي الدستوري وحماية الحق في الحياة الخاصة.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)