الحوكمة والتمويل الجماعي – قراءة في التجربة الفرنسية
الصالحين محمد العيش
محاضر في القانون الخاص – كلية الحقوق جامعة بنغازي- ليبيا
الملخص
تناولت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأوروبي السابع عشر حول حوكمة الشركات الذي انعقد في لوكسمبورغ في15 ديسمبر 2015 أثر بعض أشكال التمويل الحديثة على حوكمة الشركات، في هذه الجلسة ناقش عدد من الأساتذة المتخصصون في القانون والاقتصاد مدى استيعاب قواعد الحوكمة لبعض أساليب التمويل التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وقد تركز النقاش في معظمه حول أهم هذه الأساليب وهو «التمويل الجماعي».
مصطلــــح التمــــويــــــل الجــمــاعــي أو التشاركــــي أو مـــا يسمـــى فــــــي الفـــرنسيــــة Le financement participatif هو ترجمة حرفية لمصطلح Crowdfunding باللغة الإنجليزية والذي هو مصطلح مركب من كلمتين Crowd وتعنى الحشد أو الجمهور، وFunding وتعني التمويل، فالمصطلح يعني(التمويل من قبل الجمهور)، وهو يعبر بحسب الموسوعة الحرة «ويكيبيديا»عن العملية الجماعية والتعاونية المبنية على الثقة وشبكة العلاقات بين الأفراد الذين يجمعون الأموال سوياً – غالباً عبر الإنترنت – بهدف دعم جهود مقدمة من أفراد أو منظمات أخرى، وذلك لدعم العديد من الأهداف.
في البداية كان الهدف من عملية التمويل الجماعي تمويل مشاريع إنسانية لا تهدف إلى الربح؛ كتأسيس جمعيات خيريةوعمليات الإغاثة في حالات الكوارث، كما أخذ التمويل الجماعي في بعض الأحيان صور الرعاية الفنية، كتمويل المطربين الذي لا تتوفر لديهم الإمكانيات المادية لتسجيل أعمالهم الفنية وتوزيعها.
في عام 2012 قدرت السوق العالمية للتمويل الجماعي بـ 2.7 مليار دولار، موزعة على النحو التالي: الفنون 27.7{e574c6cff940d8d5a9ac538779c657d486556f11c838827e06e77ac326839f1b}، الأسباب الاجتماعية والإنسانية 27.4{e574c6cff940d8d5a9ac538779c657d486556f11c838827e06e77ac326839f1b}، مجتمع الأعمال والمشاريع 16.9{e574c6cff940d8d5a9ac538779c657d486556f11c838827e06e77ac326839f1b}، وأخيراً قطاع الطاقة والبيئة 5.9{e574c6cff940d8d5a9ac538779c657d486556f11c838827e06e77ac326839f1b} ، وفي عام 2013 شهدت استثمارات التمويل الجماعي نمواً متزايداً حيث قدرت بـ 5.1 مليار دولار؛ أي بزيادة تقدر بحوالي 100{e574c6cff940d8d5a9ac538779c657d486556f11c838827e06e77ac326839f1b} عن العام 2012، وقد حظيت بيئة الأعمال وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنصيب الأسد من مجمل هذه الاستثمارات، هذا التطور دفع عدداً من المؤسسات إلى وضع تقديرات مبدئية لمستقبل التمويل الجماعي، حيث يقدر بعضها أنه بحلول عام 2020 سيفوق مجمل استثمارات التمويل الجماعي ترليون دولار في مختلف أنحاء العالم.
إن التنامي المطرد لسوق التمويل الجماعي دفع بالعديد من الدول إلى الاهتمام بهذا الموضوع ومعالجته لاسيما من النواحي التنظيمية والتشريعية، حيث أصبح منافساً قوياً لأساليب التمويل التقليدية التي تكبلها نصوص القانون والتي تخضع لرقابة الدولة، فالتمويل الجماعي كما يقول بعض الفقهاء: «لديه ميول للنمو على هامش النظام المصرفي والمالي في الدولة، وهنا تبدو الضرورة الملحة لتنظيمه تشريعياً». هذا الأسلوب الجديد من التمويل المستورد مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، نال اهتمام القارة الأوروبية، حيث حث الاتحاد الأوروبي أعضاءه على ضرورة اتخاذ موقف سريع من التمويل الجماعي من أجل تهيئة المناخ للعمل بهذا الأسلوب داخل الاتحاد.
استجابت الحكومة الفرنسية سريعاً لهذا النداء وقررت أن تهتم بهذا الموضوع وأن يكون لها السبق داخل المنطقة الأوروبية، حيث نقرأ ذلك بوضوح من خلال تصريح وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي السيد بيير موسكوفيسي في عام 2014 الذي قال فيه: «أن فرنسا ستكون الدولة الرائدة في مجال التمويل الجماعي»، فعلى الرغم من حداثة هذا الموضوع وعدم وضوح الرؤية بشأن ما يمكن أن يثيره من إشكاليات، اتجهت إرادة المشرع الفرنسي إلى تنظيمه تشريعياً وذلك عن طريق الأمر Ordonnanceرقم 559/2014 الصادر في 30 مايو 2014 والمتعلق بالتمويل الجماعي، بذلك يخطو المشرع الفرنسي خطوة إلى الأمام متفوقاً بذلك على جيرانه الأوربيين، وهو بهذه المجازفة – إن جاز التعبير- يرغب من ناحية في ضمان حوكمة رشيدة للتمويل الجماعي في فرنسا، ومن ناحية أخرىيطمح إلى جعل هذا التنظيم القانوني نموذجاً يحتذى به في الفضاء الأوروبي.