العقوبات القاسية وغير المألوفة المطبقة على الأحداث في القانون الأمريكي- دراسة تحليلية لعقوبتي الإعدام والحبس المؤبد بدون فرصة إطلاق السراح المشروط
د. يوسف المطيري
أستاذ القانون الجزائي المساعد – قسم القانون –كلية الدراسات التجارية الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب – الكويت
الملخص
يحظى الأحداث بأهمية خاصة في دول العالم، حيث تفرد قوانينها الجزائية أحكاماً خاصة بالأحداث تتسم باللين واليسر لتنظيم كيفية التحقيق معهم ومحاكمتهم، كما تقرر قوانين الجزاء في الغالبية العظمى من دول العالم للأحداث عقوبات أقل جسامة وتتسم بالرأفة بالمقارنة مع تلك التي تفرض على البالغين بسبب عدم نضج الأحداث بالمقارنة مع البالغين.
إن العقوبة المفروضة على الأحداث هي الجزاء الذي ينص عليه القانون ويطبقه القاضي باسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي حاز قوة الأمر المقضي على حدث ثبتت مسؤوليته عن ارتكاب جريمة وفقاً للإجراءات التي ينص عليها قانون الإجراءات الجزائية، إلا أن العقوبة كأثر قانوني لا يمكن أن تحقق أهدافها التي رسمها القانون إلا بالتطبيق السليم لها، ولعل من أهم أهداف العقوبة التناسب بين العقوبة المفروضة وجسامة الجريمة التي ارتكبها المتهم من جهة، وبين درجة نضج المتهم ودوره في ارتكاب الجريمة من جهة أخرى، حيث يميز القانون بشكل عام بين الجاني الحدث والجاني البالغ، بحيث يطبق عقوبة أقل جسامة على الجاني إذا كان حدثاً مهما بلغت جسامة الجريمة التي ارتكبها، وذلك بسبب عدم اكتمال المدارك العقلية للأحداث وعدم فهمهم لطبيعة ونتائج تصرفاتهم بالمقارنة مع البالغين، إلا أن قانون الجزاء في الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأته في عام 1900 لا يفرق في العقوبات بين الأحداث والبالغين، إذ يمكن أن يتم تطبيق عقوبات قاسية على الأحداث مثل عقوبة الإعدام وعقوبة الحبس المؤبد إذا ارتكبوا جرائم جسيمة مثل القتل العمد والسطو والاغتصاب والاعتداء البليغ، على الرغم من أن التعديل الثامن من الدستور الأمريكي ينص على أنه: «لا يجوز تطبيق عقوبات قاسية وغير مألوفة»، وهذا ما أدى إلى إثارة الكثير من الجدل الدستوري والقانوني على مدى عقود من الزمن بين من يؤيد تطبيق عقوبتي الإعدام والحبس المؤبد على الأحداث لمواجهة الزيادة في معدلات عنف الجرائم التي ترتكبها مثل هذه الفئة، وبين من يرى ضرورة معاملة الأحداث بشكل مختلف عن البالغين لأن تطبيق عقوبات مثل الإعدام والحبس المؤبد على الأحداث يخالف التعديل الثامن من الدستور الأمريكي وذلك باعتبارها عقوبات قاسية وغير مألوفة.
وعلى الرغم من قساوة تطبيق عقوبة الإعدام على الأحداث إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف عن تطبيق هذا النوع من العقوبات على الأحداث منذ بداية نشأة قانون الجزاء فيها وحتى عام 2005 عندما حكمت المحكمة الفيدرالية العليا بإلغاء عقوبة إعدام الأحداث لأنها تخالف التعديل الثامن من الدستور الأمريكي وذلك باعتبارها عقوبة قاسية وغير مألوفة، أما بالنسبة لعقوبة الحبس المؤبد بدون فرصة إطلاق السراح المشروط في القانون الأمريكي فقد كانت تطبق على الأحداث في حالة ارتكابهم جرائم جسيمة مثل القتل العمد، الاغتصاب، السطو والاعتداء البليغ حتى عام 2010 عندما حكمت المحكمة الفيدرالية العليا بعدم دستورية عقوبة الحبس المؤبد بدون فرصة إطلاق السراح المشروط على الأحداث في غير جرائم القتل العمد من الدرجة الأولى، وذلك لمخالفتها التعديل الثامن للدستور الأمريكي، وفي عام 2012 حكمت المحكمة الفيدرالية العليا حكماً أثار الكثير من الجدل القانوني، إذ حكمت بعدم دستورية عقوبة الحبس المؤبد بدون فرصة إطلاق السراح المشروط على الأحداث إذا ارتكبوا جرائم قتل عمد من الدرجة الأولى، ولم تقم محكمة الولاية بمراجعة ظروف الحدث والحيثيات التي دفعته إلى ارتكاب جريمة القتل لبحث إمكانية تطبيق أي أسباب لتخفيف العقوبة، إلا أنها (أي المحكمة الفيدرالية) لم تبين في حكمها كيفية تنفيذ الحكم، مما أدى لاحقا إلى تعارض الأحكام الصادرة من قبل محاكم الولايات بخصوص إمكانية تطبيق حكمها بأثر رجعي من عدمه.
إلا أن الفضل في إلغاء عقوبة إعدام الأحداث وعقوبة الحبس المؤبد في غير جرائم القتل العمد على الأحداث يعود إلى الجهود التي بذلتها جمعيات حماية الأطفال ووسائل الإعلام المؤيدة لها، إذ استطاعت أن تُحدث تغيراً في وجهة نظر أغلبية المجتمع الأمريكي من خلال إقناعهم بأن الأحداث مختلفون عن البالغين من حيث قدرتهم على فهم طبيعة سلوكهم وتوقع النتائج المترتبة على تصرفاتهم بسبب عدم اكتمال قدراتهم العقلية بالمقارنة مع البالغين، وبتزويد وسائل الإعلام بالدراسات والأبحاث التي تؤكد هذا الأمر بشكل شبه دوري.
ومن هذا المنطلق جاءت فكرة هذا البحث الذي يسلط الضوء على طريقة تعامل كل من قانون الجزاء الأمريكي والمحكمة الفيدرالية العليا مع الأحداث، وأسباب مساواة الأحداث بالبالغين من حيث تطبيق عقوبتي الإعدام والحبس المؤبد بدون فرصة إطلاق السراح المشروط، وما يترتب على هذه المساواة في المعاملة من حيث إجراءات المحاكمة وتطبيق وتنفيذ عقوبتي الإعدام والحبس المؤبد، كما يركز على بحث دستورية تطبيق عقوبتي الإعدام والحبس المؤبد المطبقة على الأحداث، والأسباب التي دعت المحكمة الفدرالية العليا لإصدار أحكام متعارضة بخصوص مدى دستورية عقوبتي الإعدام والحبس المؤبد على الأحداث، بالإضافة إلى بحث المبررات التي دعت المحكمة الفيدرالية العليا للحكم بعدم دستورية عقوبة الإعدام المطبقة على الأحداث.