تطور الاجتهاد القضائي الأمريكي في قضايا تغير المناخ
أ.د. جون مينان
أستاذ قانون متقاعد
كلية القانون – جامعة سان دييغو
كاليفورنيا – الولايات المتحدة الأمريكية
الملخص
يتعلق هذا البحث بموضوع الدعوة إلى إعداد دراسات حول تَغيُر المناخ، ومسؤولية الدول في حالات الكوارث البيئية، ويندرج في الدور الفرعي للسلطة القضائية. يحظى موضوع تغير المناخ الناجم عن الغازات الدفيئة بأهمية بالغة. وقد وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها: «مسألة حاسمة في عصرنا»، وتُشكِّل تهديداً وجودياً مباشراً، لكن الحكومة الاتحادية في الولايات المتحدة فشلت في إعطاء الأولوية لمشكلة تغير المناخ والتي تستوجب اهتماماً فورياً. ومع أن إدارة الرئيس ترامب ترفض فكرة تغير المناخ، لكن الكونغرس لم يكن قادراً على التعامل مع هذه المشكلة. ونتيجة لذلك، لجأ الناشطون البيئيون إلى المحاكم للمطالبة باتخاذ إجراءات بشأن تَغيُر المناخ. وليس هناك من بين جميع قضايا تغير المناخ التي تشق طريقها إلى المحاكم الاتحادية، ما هو أكثر إثارة للاهتمام أو يحتمل أن يغير الحياة بأسرها، من «قضية جوليانا ضد الولايات المتحدة»، التي تُشكِّل محور اهتمام هذا البحث.
عندما بدأت هذه الدعوى القضائية، لم يأخذها أحد على محمل الجد، بمن في ذلك محامو الحكومة. أما الآن وبعد أن رفضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة طلبات الحكومة بإبطال القضية في مناسبتين منفصلتين، فإن جوليانا تحظى باهتمام قانوني وعام كبيرين، حيث كانت القضية في 3 مارس 2019، محور اهتمام برنامج «60 دقيقة» في تلفزيون CBS، كما نوقشت القضية في العديد من المنشورات القانونية. إن المدعين في قضية جوليانا هم من الناشطين الشباب الذين لا يتجاوز عمر الواحد منهم العشرين عاما. ويدَّعي هؤلاء أن الحكومة الاتحادية تعرض مستقبلهم للخطر، وذلك بحرمانهم من حقهم بالتمتع ببيئة مستدامة. ووفقاً لما ذكر القاضي الذي ينظر في القضية: «فهذه ليست دعوى قانونية عادية».
يقع البحث في خمسة أجزاء كالتالي: يعرض الجزء الأول مقدمة لموضوع تغير المناخ وآثاره الملحوظة، ويستكشف الجزء الثاني (نطاق المراجعة القضائية ومبدأ المساءلة السياسية) فيما إذا كانت المحاكم هي المكان المناسب لمسائل تغير المناخ. ويستند مبدأ المساءلة السياسية إلى المبدأ الفقهي الذي ينص على أنه: «ينبغي ترك المسائل المتعلقة بالسياسة العامة، للسلطة التشريعية أو التنفيذية للحكومة، وليس للسلطة القضائية». ويبحث الجزء الثالث مسألة ما إذا كان للمدعين الحق في متابعة شكاويهم المتعلقة بتغير المناخ. ويتطلب ذلك دراسة شرط «القضية أو الخلاف» الوارد في المادة الثالثة من دستور الولايات المتحدة، ومتطلبات المحكمة العليا المتعلقة بالإصابة والضرر والتعويض. وهكذا يقدم الجزءان الثاني والثالث معاً، خريطة طريق إجرائية لمتقاضي قضايا تغير المناخ في المستقبل، وهذا أمر مهم، لأن دعاوى تغير المناخ السابقة قد رُفضت بصورة روتينية لأسباب إجرائية.
ويركز الجزء الرابع المعنون بـ (الثقة العامة والدستور) على النظريات القانونية الموضوعية التي أثارها المدعون. وقد يقتصر مبدأ الثقة العامة تقليدياً على أراضي المد والجزر والمياه الصالحة للملاحة. وينظر البحث في الحجة الداعية إلى توسيع نطاق هذا المبدأ بصورة كبيرة، وتستند المطالبة الدستورية إلى إجراءات قانونية جوهرية واجبة، وبالتحديد، الحق غير القابل للتصرف في نظام مناخي يحافظ على حياة الإنسان. ويعتبر هذا الحق أساسياً لحرية نظامية ومتجذرة في تاريخ وتقاليد الولايات المتحدة. وقد ذكر القاضي الذي ينظر في القضية ما يلي: «في ممارسة حكمي المعلل، ليس لدي أدنى شك في أن الحق في نظام مناخي قادر على إدامة الحياة البشرية أمر أساسي لمجتمع حر ومنظم». وتدعم ثقة الجمهور وحجج الإجراءات القانونية الواجبة بشكل مقنع المطالبة الموضوعية بإصدار حكم تفسيري، لمطالبة الحكومة الاتحادية بإعداد خطة عمل بشأن تغير المناخ. وسيتطلب تنفيذ الخطة هذه، إجراء تغيير هائل في استخدام الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، وهو ما سيكون له تداعيات عالمية.
وإلى جانب ما سبق، يظهر الجزء الخامس (الخاتمة) بأن الفصل الأخير من «قضية جوليانا» لم يُكتب بعد حتى إعداد وتقديم هذا البحث، ولن تكون مسألة تأجيل المحكمة البت في المطالبات الموضوعية حتى يونيو 2019 مقنعة للبعض، ولكن القضية قد تركت فعلاً أثراً لا يمحى على التقاضي بشأن تغير المناخ، من خلال التغلب على العديد من الالتماسات التي تقدمت بها الحكومة الاتحادية، لرفض الدعوى لأسباب إجرائية. وهكذا تكون «قضية جوليانا» قد أسست الأدلة الإجرائية للتقاضي بشأن تغير المناخ في قابل الأيام. لقد جمع المدعون مجموعة مذهلة ومقنعة من الأدلة، على مدى فترة خمسين عاماً، لكي يدعموا نظرياتهم القانونية، والتي تعد فريدة من نوعها ومثيرة للاهتمام في آن معاً. وتعد هذه الدعوى شاهداً على قوة الناشطين الشباب الساعين إلى استخدام المحاكم ليحموا أنفسهم والأجيال القادمة من الآثار السلبية لتغير المناخ. وتؤيد هذه الأدلة الاستنتاج بأن أزمة المناخ حقيقية، ويجب أن تعالج على وجه الاستعجال.
كلمات دالة: المناخ، التطورات، الآثار، التقاضي، النظريات.