المنظمات الدولية..وسيادة القانون والتنمية

د. رشا رضوان عبدالحي
أستاذة محاضرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية- الجامعة اللبنانية – لبنان

الملخص

لقد فرض التوجّه العالمي أن تُنشأ هيئات مستقلة تتولى الرقابة والتوجيه في مجال التعامل في أسواق المال، على نحو يكفل العدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص ويضمن قدراً من المنافسة، على أن يؤدي ذلك إلى تحقيق الشفافية في التعامل. وقد عُرفت هذه الهيئات بما يسمى بـ «هيئة أسواق المال»، فهي هيئة عامة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية ويعترف بها القانون ويضع أساساً قانونياً لوجودها، فكانت هذه الاستقلالية النسبية سواء إدارياً أو مالياً التي تتمتع بها هيئات أسواق المال، لها حدود لا تخرج عنها وتخضع لسلطة الرقابة الحكومية والبرلمانية. وتتّسم أهداف الهيئة بأنها تنظيمية توعوية رقابية ووقائية، وتعدّ بمثابة خارطة طريق تسير عليها، وتضع من أجل تحقيقها الوسائل الممكنة المتاحة من القانون أو اللوائح أو النظم والقرارات التي تمكّنها من تحقيق تلك الأهداف.
ولقد أدّت الحاجة الملحّة التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية، إلى فرض المزيد من النشاط الرقابي على أسواق المال على أثر وقوع الكثير من الشركات في تعثّر مالي، نتيجة السياسات الاستثمارية الخاطئة التي قامت بها بعض مجالس الإدارات، بالإضافة إلى ضعف الرقابة الإدارية؛ لذلك كان ضرورياً السعي إلى إيجاد مجموعة من المعايير والضوابط الأخلاقية والمهنية التي تعمل على تعزيز الثقة والمصداقية في البيانات والمعلومات التي تطرحها الشركات، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى الحوكمة للعمل على ضبط آلية عمل الشركات وعمل الأسواق المالية. ويتمّ تحقيق ذلك، من خلال مجموعة من القواعد والمبادىء التي تحدّ من كافة الممارسات الرديئة التي قد تقوم بها الإدارة، وتحدّد القيم الأخلاقية للممارسات السليمة وتحافظ على حقوق المساهمين وتحقّق العدالة فيما بينهم، وتعمل على زيادة الثقة في أداء الأسواق المالية ومعالجة أوجه القصور في معاملاتها.
وقد تبنّت الحوكمة تلك القواعد من أجل تحقيق سلامة الشركة وضمان حقوق المساهمين وتحقيق الثقة والمصداقية بالبيانات المالية المنشورة، فمبادئ الحوكمة تعمل على تحسين الإطار القانوني لتوجيه الأسواق المالية والشركات والمستثمرين وتجنّب حالات التلاعب والفساد وسوء الإدارة، وقد طرحت العديد من المنظمات قواعد ومبادئ الحوكمة والتي تهدف جميعها إلى ضمان الانضباط والشفافية والجودة والتميّز الإداري.
إن الأساس الاقتصادي لموضوع الدراسة، «الاندماج والاستحواذ»، يفرض نفسه على بساط البحث، فأحكام هذه العمليات تعتبر من الفروع القانونية المستحدثة غير المنتمية إلى التقسيم التقليدي للقانون، فنظراً لحداثة الموضوع في أسواق المال، فإن التشريعات العربية لم تعرفه إلاّ منذ فترة قصيرة، وبالتالي فإن تطبيقات القضاء العربي في مجال عمليات «الاندماج والاستحواذ» عامة، وعمليات التركيز الاقتصادي خاصةً قليلة التطبيق في الواقع، عكس التطور السريع الذي طاول الدول الغربية وكثرة تطبيقاته القضائية لهذا النوع من العمليات، وبالأخص القانون والقضاء الأميركيين، وأيضاً القانون الأوروبي الذي يتميّز بالحداثة والتجديد لمواجهة متطلبات الحياة الاقتصادية، وإيجاد الحلول الفعالة لتحقيق النمو والتطوير.
فعمليات «الاندماج والاستحواذ»، تُعتبر من قوام الحياة الاقتصادية والأنشطة التجارية في تفعيل أسواق المال؛ لذلك كان الهدف من البحث تسليط الضوء على طبيعة هذه العمليات ومدى تأثيرها على السياسة الاقتصادية والمالية للدولة، إيجاباً أو سلباً. بالإضافة إلى دراسة ما إذا كان أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة أو «الحوكمة» يحقّق مصلحة الشركة والشركاء، ويعود بالإيجاب على الحياة الاقتصادية العامة.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)