في إطار جهود جماعية لتطوير القوانين والتشريعات، تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة (حكومة وبرلمان وقضاء) والمؤسسات المهنية والقانونية ذات الصلة، صدر بالجريدة الرسمية الكويتية (الكويت اليوم) في 25 أكتوبر 2020 القانون رقم 70 لسنة 2020 بشأن تنظيم مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها وحقوق المرضى والمنشآت الصحية، وذلك بعد أن أقره مجلس الأمة الكويتي بالأغلبية الساحقة في جلسة 8 أكتوبر 2020.
وقد تزامن إقرار ونشر هذا القانون مع تحديات جائحة فيروس كورونا، التي ألقت بظلالها على المجالات والقطاعات الاجتماعية كافة، وخاصة الصحية منها، وأظهرت ثغرات ونواقص في عدد من الجوانب التنظيمية والمهنية والقانونية، مما استدعى إدراجه على جدول أعمال دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي الخامس عشر، وشهد تفهماً وتجاوباً من أغلبية أعضاء مجلس الأمة بالإضافة إلى الوزراء باعتباره مشروعاً حكومياً. كما جاء هذا القانون في مرحلة شهدت فيها الكويت ارتفاعاً ملحوظاً في إنشاء المشروعات الصحية الخاصة، سواء أكانت مستشفيات متكاملة أم عيادات متخصصة، وهو ما يستدعي إقرار تشريع شامل ينظم هذا التطور ويشجعه، وفي الوقت نفسه يحمي حياة المرضى، ويحفظ مصالح مختلف الأطراف.
وحسب الأطباء والمهنيين في القطاعات الصحية والقانونيين، فإن هذا القانون قد جاء نتيجة مبادرة من المعنيين مباشرة وهم الأطباء والعاملون في المهن الطبية، وذلك بعمل وتنسيق من هياكلهم المتمثلة في الجمعية الطبية والروابط التخصصية، التي أعدت مسودة القانون وناقشتها مع المعنيين ومع الجهات الرسمية المسؤولة، ثم قدمتها إلى الحكومة، حيث خضعت المسودة لدراسة وتعديلات من اللجان الحكومية المختصة، ثم تم تقديمها كمشروع قانون حكومي إلى مجلس الأمة، حيث استدعت اللجنة الصحية بمجلس الأمة الجمعية التي تمثل أطباء الكويت والعاملين في المهن المساعدة الأخرى، إلى جانب ممثلين عن وزارة الصحة.
ولم تقتصر المشاركة الفاعلة للمعنيين بهذا القانون على المراحل السابقة، بل إن القانون الصادر ألزم وزارة الصحة بالتعاون والتنسيق معهم خلال إصدار اللائحة التنفيذية والقرارات الوزارية التي تصدر تنفيذاً للقانون، وهو ما يعزز العمل الجماعي في قطاع مهم بالنسبة للمجتمع في كل الأوقات وليس خلال جائحة فيروس كورونا فقط، كما أنه يقدم نموذجاً مختلفاً وإيجابياً في سن القوانين وكيفية وضعها موضع التنفيذ دون الافتئات على سلطات واختصاصات الدولة ممثلة في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولا شك بأن هذه الطريقة في وضع القوانين تُعد من أكثر الطرق موضوعية وفعالية، لأنها تعتمد على إشراك المعنيين بها والممارسين لشؤونها في كافة المراحل، ولذلك فإننا ندعو المشرع الكويتي وغيره لاعتمادها في وضع ومراجعة القوانين والتشريعات من أجل ضمان فرص أكبر لنجاحها على أرض الواقع.
ويعد هذا القانون الجديد إطاراً مرجعياً موحداً لتنظيم مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها، ومسألة المسؤولية الطبية والتأمين على الأطباء، وحقوق المرضى ونظام عمل المنشآت الصحية، وذلك بعد أن كانت هذه الموضوعات تنظم بقوانين وتشريعات مختلفة، صدرت في أوقات مختلفة دون أن يكون هناك تنسيق لدى إصدارها، وهي: المرسوم بالقانون رقم 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان والمهن المعاونة لهما وتعديلاته أينما ورد العمل به في القوانين الأخرى، والقانون رقم 49 لسنة 1960 في شأن المؤسسات العلاجية، والقانون رقم 38 لسنة 2002 بتنظيم الإعلان عن المواد المتعلقة بالصحة.
يذكر أن القانون الجديد اعتمد المنهجية التشريعية المختصرة المباشرة، حيث جاء في 87 مادة مقسمة على 8 فصول، وأوكل إلى اللجنة التنفيذية والقرارات الوزارية التفصيل والبيان. واللافت في القانون أنه ألزم في المادة (8) وزارة الصحة بتوفير كافة الاحتياجات اللازمة لتدريب مزاولي المهنة وطلبة كليات الطب وطلبة كليات المهن المساعدة لها، وأجازت للوزير إصدار القرارات والضوابط للتعليم والتدريب في المنشأة الحكومية والخاصة، وذلك بهدف رفع المستوى الفني لمزاولي المهنة. كما خصص القانون الفصل الثالث منه وعلى مدى 16 مادة في تنظيم أخلاقيات المهنة وآدابها، وذلك للتأكيد على أهمية ذلك بالنسبة للمشرع والمجتمع.