نشرت الجريدة الرسمية الكويتية في عددها رقم 1580 للسنة الثامنة والستين، المؤرخ في 10 أبريل 2022 ثلاثة مراسيم بقوانين (الأول رقم 86 لسنة 2022، والثاني رقم 88 لسنة 2022، والثالث رقم 89 لسنة 2022) تتعلّق بمذكرات تفاهم بين حكومتي دولتي الكويت وقطر في مجال تشجيع الاستثمار المباشر، والتعاون في مجالات تحسين أعمال تنفيذ وإنشاء وصيانة الطرق، بالإضافة إلى مجال الشؤون الإسلامية والأوقاف. وقد جاء في المادة الأولى من المذكرات الثلاثة أنّه تمت: «الموافقة على مذكرة التفاهم بين حكومة دولة الكويت وحكومة دولة قطر للتعاون في مجال …، والموقّعة في مدينة الكويت ومدينة الدوحة عبر تقنية الاتصال المرئي بتاريخ 17/11/2020 والمرافقة نصوصها لهذا المرسوم».
ومن المعلوم أنّ هذا الاجتماع بين ممثلي الحكومتين، والتداول في شأن اتفاقيات التعاون، والاتفاق بشأنها قد تمّ عن بُعد بسبب حظر التنقّل والاجتماع المباشر الذي كان معمولاً به في البلدين بسبب انتشار جائحة كورونا غير المسبوق، والذي نتجت عنه أعداد كبيرة من الوفيات ليس في البلدين فقط، بل وفي العالم أجمع. وقد كانت هذه الاجتماعات عن بُعد تهدف إلى ضمان استمرار الأعمال التنفيذية والدولية لمختلف مرافق الدولة بما يحقّق المصلحة العامة، ويحول دون تعطّلها.
وممّا لا شك فيه أنّ هذا الأمر يُعدّ تطوراً عملياً وقانونياً مهماً في العلاقات الدولية وقت الجوائح والكوارث، حيث تمّت مناقشة بنود وجوانب مذكرات التعاون التي تتعلّق بمجالات حيوية (تشجيع الاستثمار المباشر – التعاون في مجال البنية التحتية وغيرها) من طرف المختصين في الحكومتين الكويتية والقطرية في اجتماعات عُقدت عن بُعد، تخللها تبادل المقترحات المكتوبة، باستخدام الوسائل الإلكترونية، ممّا مهّد لإعلان تلك المذكرات في اجتماع عن بُعد انعقد بتاريخ 17/11/2020، وضم الوزراء المعنيين من الجانبين.
وإثر هذه الاجتماعات عن بُعد، كان لزاماً استكمال الإجراءات الدستورية بشأن مذكرات التفاهم، حيث تم عرضها في دولة الكويت على مجلس الأمة الذي صادق عليها بعد استئناف جلساته، وأحالها إلى الحكومة لإصدارها، وهو ما تمّ مؤخراً. ولم تواجه المذكرات أي ملاحظات أو اعتراضات من أعضاء مجلس الأمة فيما يتعلّق بطريقة وإجراءات إقرارها، رغم أنّها تختلف عن الإجراءات والطرق التقليدية في عقد الاتفاقيات الدولية.
لقد دفعت الظروف الاستثنائية التي شكّلتها جائحة كورونا حافزاً لاستثمار الوسائل الإلكترونية في تأمين استمرار أعمال السلطات الدستورية والمرافق العامة، لكنّ تقنين تلك الحلول والآليات وتنظيمها في إطار تشريعي وقانوني يُعدُّ استحقاقاً آنياً لا يحتمل التأخير، حيث يجب النظر إليه بجدية لاعتماده. كما يستوجب الأمر توفير مرونة قانونية لاستيعاب الظروف الطارئة المستقبلية، خاصة في ضوء المخاطر التي تشكّلها الحروب التي توشك أن تندلع بين القوى العسكرية الكبرى في العالم، سواء بصفة مباشرة أو بالوكالة.
وفي دولة الكويت، شكّل قانون المعاملات الإلكترونية، وتعديلات قانون المرافعات الأخيرة خلال الجائحة، واعتماد الإعلان الإلكتروني، وتفعيل التطبيقات والحلول الإلكترونية لتقديم الخدمات، بيئة قانونية وتقنية تسهم بفعالية في التحوّلات الجارية في أداء مهام واختصاصات الأجهزة الحكومية المختلفة، سواء على مستوى الصعيد الداخلي أو على مستوى العلاقات مع الدول الأخرى. كما أنّ من شأن هذه البيئة أن تسهّل سَنّ قوانين وتشريعات أخرى لتنظيم إبرام الاتفاقيات الدولية عن بُعد، سواء في الأوقات العادية أو في الظروف الاستثنائية، بما يحقّق المصلحة الوطنية، ويعزّز علاقات التعاون مع الجيران والأصدقاء.
لقد اتجهت الدول والمنظمات الإقليمية والدولية خلال جائحة كورونا إلى استخدام وسائل التواصل عن بُعد لتسيير أعمالها الداخلية والخارجية وتدبير شؤون مجتمعاتها، مستفيدة في آن واحد من القوانين والنُّظم واللوائح والتشريعات التي أقرّتها في أوقات اليُسرة، وكذلك مستندة إلى البنيات التحتية التقنية (شبكات اتصالات – أنظمة وتطبيقات – أجهزة ومعدات) التي بنتها وطوّرتها. وقد استفادت هذه الجهات من الموارد البشرية التي كوّنتها في جامعاتها ومعاهدها وكلياتها المتخصصة في القانون والإدارة وغيرهما.
وتطبيقاً لذلك، شهد العالم خلال الجائحة اجتماعات عن بُعد لمنظمة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، ناقشت قضايا طارئة في مجال المساعدة الصحية والغذائية الطارئة للدول النامية والفقيرة، كما شهد اجتماعات لمجموعة الدول الصناعية السبعة، ولحلف شمال الأطلسي (الناتو)، خُصصت لبحث قضايا واتخاذ قرارات مهمة في المجالات الاقتصادية والدولية العسكرية، وهو ما يؤكد أنّ بيئة القانون الدولي تستوعب وتنظّم مثل هذه الأعمال في أوقات الجوائح والظروف الطارئة.
وفي ضوء كل ذلك، فإنّ تطوير بنية قانونية وتشريعية تنظم الأعمال عن بُعد أمرٌ تأكدت أهميته خلال جائحة كورونا، ولا شك أنّ ما هو موجود في دولة الكويت وغيرها من الدول الخليجية والعربية، وضعٌ يمكن البناء عليه، خاصة في ضوء الموارد البشرية القانونية والتقنية المتميزة التي تتوفّر عليها.
وعلاوة على ضمان استمرارية أعمال الدولة ومرافقها في كل الأحوال، فإنّ من شأن ما سبق أن يوفّر الإمكانيات ويحسّن الاستثمار ويطوّر الأداء.