إعادة بناء المنظومة التشريعية في إطار من الشراكة: التجربة التونسية ما بعد الثورة

أ. نور الدين البحيري
رئيس كتلة النهضة في مجلس نواب الشعب التونسي الحالي وزير عدل سابق وعضو في المجلس التأسيسي

الملخص

تؤدي السلطة التشريعية دورا أساسيا في اقتراح وسن القوانين، لأنها سلطة تبنّي القوانين، وهي في الدول ذات النظام البرلماني السلطة العليا التي لها صلاحية تعيين السلطة التنفيذية بواسطة منح الثقة للحكومة، ولها أن تعزلها من خلال آلية سحب الثقة، وحتّى مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة لها أن تعدّل فيها وأن تصوّت لصالحها أو ضدها. إذا تمثّل السلطة التشريعية العمود الأساسي والمنبع الأصلي لكل القوانين، ولذلك تتجسّد أهميّة دراسة كيفيّة سنّ القوانين وإصدارها خاصّة في ظلّ مؤسّسة تجمع أحزاب متعدّدة لكل منها مبادئ وأسس مختلفة، وهي تمثّل بالأساس الشعب الذي انتخبهم ونصّبهم مكانه لتحقيق نهضته وازدهاره. ولذلك تسعى هذه الورقة البحثية لدراسة مراحل العمل البرلماني في إصدار القوانين، بدءًا بتقديمها ومرورا بمناقشتها والتصويت المبدئي عليها في اللجان ووصولاً لمزيد من مناقشتها والمصادقة عليها في الجلسة العامة.
وإن كانت السلطة التشريعية هي المنبع الأساسي للقوانين، إلاّ أنّ تطبيق هذه القوانين من قبل السلطة التنفيذية يجعل لهذه الأخيرة دورا أساسيا كذلك، فلها أن تقدّم مشاريع قوانين لمسائل لم يضع القانون يده عليها، إذ قد لا يحقّق القانون الأهداف المرجوّة من وضعه ليظلّ جامدا دون نتيجة. ولذلك تعطي بعض الدول العربية الأولويّة للسلطة التنفيذية في حالة تزامن تقديمها لمشروع قانون حول مسألة قدّمت فيها أحد الكتل البرلمانية مبادرة تشريعية وذلك لإلمامها بصعوبات وعراقيل التطبيق.
و لذلك سيتضمّن بحثنا التطرق للمحاور التالية بسبب أهميتها في الموضوع محل الدراسة:
1) دراسة العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في إطار إصدار وتقديم القوانين.
2) دراسة دور المجتمع المدني في الدفع نحو اعتماد تشريعات وقوانين جديدة تعكس علاقات الأفراد الفاعلين بالدولة ومؤسساتها، فهؤلاء الأفراد يمارسون سلطة من خلال نشاطهم في الجمعيات أو من خلال كتاباتهم أو أفكارهم إذا كانوا صحافيين أو إعلاميين أو باحثين وفقهاء في مجالات تخصصهم. وبحكم طبيعتها، فإن البرلمانات الديمقراطية تقوم بالاستماع إلى الهيئات التي تمثل المجتمع المدني من خلال الاجتماع بهم في إطار اللجان البرلمانية قبل الشروع في مناقشة مشاريع القوانين، ومن الطبيعي بل من المؤكد أن لهذه الجمعيات والهيئات قدرةً ونفوذًا في التأثير على توجهات أعضاء المجالس التشريعية. كما أن للصحافة والإعلام دورًا وتأثيرا على أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية في تبنّي مشاريع القوانين، وذلك من خلال تسليط الأضواء على قضايا معينة.
3) تشكّل الأحزاب السياسية حجر الأساس في المجتمعات الديمقراطية، إذ تعبّر عن إرادة الشعب ومشاغله، فللأحزاب السياسية دور فاعل ومباشر في عمليّة تفنين بعض المسائل وذلك عندما تكون جزءًا من السلطة التشريعيّة من خلال كتلها البرلمانية أو عندما لا تكوّن جزءًا من السلطة من خلال أنشطتها وحملاتها الشعبية والإعلامية.
4) تمثّل اللوائح التنفيذية والقرارات الوزارية جزءا من الهرم القانوني أي عند إصدارها تلبس السلطة التنفيذية ثوب السلطة التشريعية وتكمّل بذلك القوانين.
5) في إطار الفصل النسبي بين السلط (نظرية مونتسكيو)، نجد بأن هناك اختصاصات تشريعية لرؤساء الدول لسد الثغرات القانونية وتحقيق السياسة القانونية للدولة من خلال تقديمهم لمبادرات تشريعية والتصديق على القوانين أو كذلك عرض مشاريع القوانين ومن بينها تلك المتعلّقة بالموافقة على المعاهدات مع الدول الأجنبية.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)