التكييف القانوني للجائحة «الكورونية» على ضوء الثوابت الدستورية والدولية والمبادئ القانونية المستقرة … بين صلابة المسلّمات ومرونة الاعتبارت: دراسة مقارنة

د. محمود المغربي
أستاذ القانون المدني المساعد
كلية القانون الكويتية العالمية
د. بلال صنديد
أستاذ القانون العام المشارك
كلية القانون الكويتية العالمية

الملخص

من أقوى الدلائل على حيوية القانون وصدق ترجمته لحاجيات مختلف شرائح المجتمع، تلمس دوره المحوري.ليس فقط في مواجهة الأزمات، بل بالتعرف على هويتها القانونية مع ما يترتب على ذلك من انعكاس على مدى سلامة وصرامة التدابير التي ترافقها.
في هذا السياق، لفت انتباهنا بشدة عمق الجدلية الملازمة للأزمة الكورونية، وما نجم عنها من إشكاليات فائقة الخطورة، والحساسية لامست مختلف فروع القانون بجناحيه العام والخاص، يتقدمها صعوبات المفاضلة بين صلابة المسلّمات والثوابت ذات السقوف متفاوتة المصدر والقوة – دستورية ودولية وقانوينة – واعتبارات المرونة التي تفرضها ضرورات تيسير التعامل مع تداعيات الأزمة أو الحدّ ضمن المستطاع من وطأتها.
انطلاقا من ذلك، لا نبالغ بالقول، إن الأزمة الكورونية التي تخطت في تداعياتها حواجز الحدود الوطنية، ولامست في مفاعيلها القانونية كافة الأنظمة الدستورية والحقوقية حول العالم، شكّلت بلا ريب «أزمة قانونية» واختباراً حقيقياً ومباشراً لمدى كفاية النصوص ونجاعة التحليل في إيجاد تكييف قانوني لها من خلال الثابت من المفاهيم والمبادئ التي دأبت النظم القانونية قاطبة على ترسيخها والعمل بهديها منذ عقود مضت، توكيداً للمسلمة القائلة إن حماية الإنسان وخدمته هما هدف أيّ نص تشريعي، ومحور أيّ قرار أو إجراء أو تدبير تنفيذي. لكل ذلك، وجدنا من المفيد، لا بل من الضروري، محاولة الاشتراك في سباق البحث عن إجابات سليمة للتساؤلات الهامة التي تعكس بمجملها أبرز جوانب هذه الأزمة الحقوقية التي نرجو أن تكون آنية وغير ممتدة، كونها تلامس مصالح وحقوق وحريات معظم الأفراد والمجتمعات الكونية.
وتتصدر قائمة الأسئلة القانونية التي قد تبدو بسيطة في طرحها، إنما دقيقة في مدلولاتها، محاولة التعرّف على التكييف القانوني لجائحة كورونا. ونتساءل بداية عن مدى انطباق المصطلحات التي تناولتها الدساتير والصكوك الدولية على الأزمة؟ فهل هي حالة طارئة أم كارثة عامة أم أنها أقرب ما يكون لمصطلح المحنة العامة التي أشار إليها الدستور الكويتي كما غيره من بعض الدساتير العربية؟ وعلى مستوى المبادئ القانونية التقليدية والمعروفة، هل ترقى الأزمة الكورونية، والأوبئة الصحية بالإجمال، إلى أن تكون ظرفاً طارئاً أم قوة قاهرة؟ وما الانعكاسات القانونية التي يتركها هذا التوصيف أو ذاك فقهاً وقضاء؟
وفي ذات السياق، يبرز التساؤل عما إذا كان توصيف الأحداث غير المألوفة، مهما تعددت مسميّاته التقنيّة وتنوعت، مازال خاضعاً لمعايير وشروط تقليدية أم بات رهينة تصاريح سياسية، أو تدابير حكومية إستثنائية تتعامل مع الأزمة من منطلقات قد تختلف أو تتناقض مع الأبعاد القانونية للمسألة!؟ ويتفرع عن ذلك تساؤل محوري حول جواز الركون حصراً لمبدأ سلطان الإرادة ونتاجه العقدي لمعالجة تداعيات أزمة خطيرة غير مسبوقة، مع ما يعني ذلك من حتمية إخضاع الشريك في العملية التعاقدية لخيارات آحادية قد تبدو نفعيّة وظرفيّة؟
بغية الإحاطة الشاملة بالتساؤلات سالفة الذكر، وبمحاولة التعرّف على التكييف القانوني للأزمة الكورونية، اعتمدنا منهجاً تحليلياً تقييمياً ومقارناً في مطلبين رئيسين: أشرنا في (المطلب الأول) لصلة الجائحة الكورونية بالأحكام الدستورية والصكوك الدولية، ثم تطرقنا في (المطلب الثاني) لمعضلتي التصنيف والطبيعة القانونية للفيروس الكوروني على ضوء المبادئ القانونية المستقرة، ثم خلصنا لخاتمة ضمنّاها جملة استنتاجات وتوصيات، في مقدمتها ضرورة المبادرة تشريعياً لضبط المفاهيم والمصطلحات في تعريف الأزمات والكوارث والمحن العامة، فضلاً عن أهمية العمل على ابتداع صيغة خلاقة جامعة مانعة بين مبدأي سلطان الإرادة وإرادة السلطان، حرصاً على استدامة الشراكة المنشودة بين الفكرين القانوني والإنساني.

كلمات دالة: كورونا، قوة قاهرة، ظروف طارئة، دستور، صكوك دولية.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)