القانون الواجب التطبيق على عقود الاستثمار الدولية في مجال التحكيم

أ.د. أشرف وفا محمد

أستاذ القانون الدولي الخاص
كلية الحقوق – جامعة القاهرة – مصر

الملخص

يهدف نظام التحكيم إلى قيام الأطراف بحل منازعاتهم عن طريق اللجوء إلى «قضاء من نوع خاص» أي إلى أشخاص مختارين من قبل الأطراف لحل النزاع، وذلك من أجل تفادي اللجوء إلى القضاء العادي. وقد أدى التزايد الكبير لحجم المبادلات التجارية بين الدول المختلفة وبصفة خاصة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إلى البحث عن نظام قانوني ملائم لطبيعة منازعات التجارة الدولية، نظام يتسم بطابع السرعة في فض تلك المنازعات ويستجيب في نفس الوقت لاحتياجات التجارة الدولية، وقد وجد الفكر القانوني أن نظام التحكيم يمكن أن يكون بديلاً عن القضاء الوطني في هذا الشأن.
وقد قبلت الدول العربية اللجوء إلى نظام التحكيم كوسيلة للفصل في منازعات عقود الاستثمار الدولية، وذلك بسبب إصرار الطرف الأجنبي المتعاقد مع الدولة على عدم الخضوع لسلطان القضاء الوطني للدولة الطرف في العقد. وقد قامت ضغوط التجارة الدولية بدور حاسم في قبول نظام التحكيم من قبل الدول العربية والتي قامت لهذا السبب بتحديث قوانينها الداخلية المتعلقة بالتحكيم على نحو يسمح باللجوء إلى التحكيم لفض منازعات التجارة الدولية. ولهذا فقد صدرت في العديد من الدول العربية القوانين التي تنظم التحكيم كوسيلة لفض المنازعات المتعلقة بعقود التجارة الدولية، منها على سبيل المثال قانون التحكيم المصري الصادر سنة 1994، قانون التحكيم الجزائري الصادر سنة 1993، قانون التحكيم البحريني الصادر سنة 1993، وقانون التحكيم القضائي الكويتي الصادر سنة 1995، وقانون التحكيم الإماراتي الصادر سنة 2018. وعلاوة على ذلك فقد كان لمسلك هيئات التحكيم الدولية بأن تأخذ في اعتبارها مصالح الدول النامية في القرارات الحديثة التي أصدرتها، عامل آخر أسهم في قبول الدول العربية لنظام التحكيم.
وإذا كان من المستقر عليه في الوقت الراهن أن التحكيم هو الوسيلة المعتادة للفصل في المنازعات المتعلقة بعقود الاستثمار الدولية، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة لمسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وعلى موضوع النزاع: فهل يخضع المحكم في ذلك لقانون الإرادة المختار من قبل الأطراف؟ وما هو الحل في غيبة قانون الإرادة، هل يتعين على المحكم تطبيق قانون وطني ذي صلة وثيقة بالنزاع، أم أنه يمكن الاستعانة – بالنظر إلى طبيعة علاقات التجارة الدولية – بعادات وأعراف التجارة الدولية أو ما يعرف بقانون التجارة الدولية؟ وإذا كانت الاستعانة من قبل الأطراف أو المحكم بقواعد قانونية غير وطنية يعد أمراً مشروعاً كقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، هل تعد هذه القواعد غير الوطنية كافية لفض المنازعات المتعلقة بعقود الاستثمار الدولية؟
وقد اتبعنا في الدراسة الحالية المنهج التحليلي، وذلك بتحليل القواعد المتعلقة بتنازع القوانين في قوانين التحكيم والمعاهدات الدولية وقرارات مجمع القانون الدولي، كما اتبعنا المنهج المقارن في نطاق القانون الدولي الخاص؛ لأن هذا الفرع القانوني – بطبيتعه- يعتمد على الدراسات المقارنة؛ ولهذا قمنا بالمقارنة بين الوضع أمام هيئات التحكيم والوضع أمام القضاء الوطني لبيان الفوارق بينهما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على عقود الاستثمار، ولتحديد الدور المنوط بالمحكم الدولي في هذا الشأن.
يتناول موضوع هذا البحث دراسة مسألة القانون الواجب التطبيق في مجال عقود الاستثمار الدولية أمام هيئات التحكيم الدولية. وسوف نقتصر على بحث موضوع النزاع، ويخرج بالتالي من مجال الدراسة مسألة القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وعلى اتفاق التحكيم.
وفي مجال عقود الاستثمار الدولية قد يتم إسناد العقد إلى قانون وطني (المبحث الأول)، كما قد يتم إسناده إلى قواعد قانونية غير وطنية (المبحث الثاني). وسوف نتعرض قبل ذلك للحديث عن المبادئ الرئيسية التى تحكم تحديد القانون الواجب التطبيق في مجال العقود الدولية (مبحث تمهيدي). وقد سعينا من خلال هذا البحث إلى التأكيد على أهمية إسناد عقود الاستثمار إلى قانون وطني، وإلى بيان خطورة إسنادها إلى قواعد قانونية غير وطنية حيث يؤدي هذا- في أغلب الأحوال- إلى الإضرار بمصالح الدول النامية.
وبعد استعراضنا لموضوعات البحث المختلفة خلصنا في الخاتمة إلى بعض المقترحات التي نعتقد أهمية الأخذ بها؛ ومن أهمها التأكيد على أهمية اختيار الأطراف بوضوح للقانون الواجب التطبيق في العقد صراحة حتى لا يترك لهيئة التحكيم هذا الأمر مما قد يفضي إلى نتائج غير مرغوب فيها، كما خلصنا إلى بيان حقيقة الدور الذي تلعبه القواعد القانونية غير الوطنية في مجال عقود الاستثمار الدولية على النحو الوارد تفصيلاً في متن البحث.

كلمات دالة: تنازع القوانين، التحكيم الدولي، عقود الاستثمار الدولية، مبدأ سلطان الإرادة، القانون الواجب التطبيق.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)