تقنين الأحكام الفقهية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين: دراسة لثلاثة نماذج

د. محمد شافعي بوشية
أستاذ الفقه المساعد، كلية الشريعة والقانون
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية
(UniSHAMS) قدح (دار الأمان) ماليزيا

الملخص

الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وهي تمثّل أنسب السبل لإقامة العدل، وقد حرص فقهاء الأمة الإسلامية عبر مصنفاتهم وكتاباتهم المختلفة على إبراز هذه الأهمية، وقد شهد العالم العربي والإسلامي خلال القرنين 14 و15 الهجريين تقدمًا ملحوظًا في الفقه الإسلامي شرحًا، وتبسيطًا، وتقنينًا، بأساليب معاصرة جمعت في معناها ومبناها بين أصالة الشريعة الإسلامية وثقل عقول فقهائها الأجلاء، وغزارة ما كتبوه في مصنفاتهم المختلفة عبر قرون طويلة، وما بين النصوص القانونية الحديثة التي أصدرتها الجهات القضائية المختلفة، أو وضعها كبار رجال القانون من مواد وشروح تفسيرية لها، اشتهر من هذه الجهود مشروع «مجلة الأحكام العدلية» التي صدرت عام 1295هـ، غير أنَّ ثمة جهود أخرى قد بذلت لا تقل أهمية عن مجلة الأحكام العدلية، ولكن لم يقدّر لها الانتشار والشهرة والعمل بشكل واسع، نظرًا لظروف تتعلق بمحتواها، حيث مثَّل بعضها نطاقًا معينًا مثل «أحكام الجنايات والحدود» أو «أحكام الأسرة» أو «الأوقاف»، أو بالجهات التي أصدرتها، أو بظروف وأحوال الدول التي صدرت فيها. ويتناول هذا البحث ثلاثة من جهود تقنين الشريعة الإسلامية التي بذلت خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجري، وتحديدًا في نطاق 100 عام تبتدئ بسنة 1306هـ، وتنتهي بسنة 1403هـ، وهي: مجموعة محمد قدري باشا القانونية (المتوفى سنة 1306هـ)، وقانون حقوق العائلة أو قانون الأسرة التركي (الصادر سنة 1336هـ)، ومشروع تقنين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة (الصادر عن مجلس الشعب المصري في 1403هـ-1983 م)، وذلك من خلال دراسة تاريخية وصفية تحليلية لهذه الجهود الثلاثة، ويعتمد البحث في المقام الأول على المصادر الأصلية لها وفق طبعاتها المشهورة المعتمدة، بالإضافة إلى مراجع أخرى قديمة أو معاصرة تناولتها بالوصف والتحليل.
وقد انتهى البحث إلى عدة نتائج من أهمّها: أنّ مسألة تقنينِ الشريعة الإسلامية في مواد قانونية عُدَّ هدفًا شرعيًا ومطلبًا قضائيًا، سعت لتنفيذه دول وجهات ومؤسسات منذ أزمان طويلة، وأنّه كان من أهداف هذا التقنين الاستجابة لمتطلبات المجتمعات الإسلامية، وإبراز مكانة الشريعة الإسلامية وعدالة أحكامها في صورة سهلة ميسورة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة لتحلّ محلّ القوانين الوضعية التي طغت وانتشرت في الدول العربية والإسلامية بسبب السيطرة الاستعمارية. وخلص البحث إلى أنّ مؤلفات محمد قدري باشا الثلاثة تعد تجربة فردية رائدة في تقنين الشريعة على المذهب الحنفي الذي كان واسع الانتشار في الدولة العثمانية، وقد تميّزت بالبساطة في الأسلوب، واليسر في العرض والتناول، والإيجاز في نصوص المواد، والإلمام بكافة جوانب الموضوعات التي تناولتها. كما خلص إلى أنّ قانون حقوق العائلة الذي أصدرته الدولة العثمانية يعد نموذجًا فريدًا من التقنين الذي حقّق مصالح شرعية وقضائية لجميع رعايا الدولة العثمانية من المسلمين وغيرهم، وأنّه في مصر جاء مشروعُ تقنين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة في السبعينيات نتيجة مطالبات شعبية ورسمية من بعض الجمعيات والمؤسسات التي كانت ترغب في تطبيق الشريعة الإسلامية، ولاقت الدعوة حينها استجابة من الدولة. وقد تلاه قيام مجلس الشعب المصري بإعداد مشروع تقنين الشريعة الإسلامية؛ اعتُبِرَ خطوة رسمية محمودة من الدولة آنذاك للاتجاه نحو تفعيل الشريعة الإسلامية، وجعلها متصدرة للمشهد في المجتمع بصورة قوية – لولا توقف المشروع لاحقًا عن التنفيذ.
وأوصى البحث بضرورة إعادة النظر من قبل الحكومات والهيئات القضائية الرسمية في إحياء مشروعات التقنين التي بذلت فيها الجهود لسنوات طويلة، وتفعيلها بشكلها السابق، أو تعديلها لتناسب العصر الحاضر، حاثاً – في اقتراح وتصور ورد في آخره – الدول العربية مجتمعة بالسعي إلى إصدار مشروع عام موحدٍ لتقنين الشريعة الإسلامية.

كلمات دالة: الشريعة الإسلامية، الفقه، التقنين، حقوق العائلة، المعاملات المالية، الوقف.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)