حماية المستهلك العربي: دراسة تحليلية للحقوق والضمانات

أ.د. زينب حسين عوض الله
أستاذ الاقتصاد والمالية العامة كلية الحقوق – جامعتا الكويت والإسكندرية

الملخص

اكتسبت حركة حماية المستهلك قوة دفع كبيرة عندما أعلن الرئيس كنيدي حقوق المستهلك الأربعة في 15 مارس 1962، اليوم الذي أصبح فيما بعد يوما عالميا لحماية المستهلك. وشهدت ثمانينات القرن الماضي رسوخ حركة المستهلكين عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإجماع الآراء المبادئ التوجيهية لحماية المستهلك في 9 أبريل 1985 (القرار 39/248) بهدف وضع إطار لتعزيز السياسات والتشريعات، وتشجيع التعاون الدولي في هذا الميدان. تلك المبادئ التي عادت الجمعية العامة بمراجعتها وتعديلها عام 1995، ثم لتضمنها أسس التنمية المستدامة عام 1999، وليأتي التحديث الأخير عام 2013 والذي اعتمد بالقرار 70/186 في ديسمبر 2015.
فحماية حقوق المستهلك تعبر عن رفض المجتمع المعاصر للفقه التقليدي المؤسس على قدرة المشتري على الدفاع الذاتي، واستبدالها بفكرة الدفاع الاجتماعي حيث ينصب على المجتمع من خلال منظماته (الحكومة، رجال الأعمال، جمعيات المستهلكين الأهلية)، وأنشطته المتعددة (القانونية، الدعائية، الرقابية)، حماية الأفراد ضد الممارسات التي تضر بحقوقهم كمستهلكين.
وبهذا المفهوم، فإن حماية المستهلك تدخل فى إطار البعد الاجتماعي لتطبيق اقتصاديات السوق، والذي يتضمن ضرورة ألا تقتصر السياسة الاقتصادية على تحقيق هدف الكفاءة الاقتصادية (قدرة المشروع الخاص على الآداء وتحقيق أهدافه الإنتاجية والتسويقية)، وإنما أيضا تحقيق هدف العدالة الاجتماعية (قدرة المستهلك على الاختيار وتحقيق أهدافه وحماية حقوقه الاقتصادية). ويترتب على ذلك واجب حماية الطرف الضعيف وضرورة إقامة التوازن بين العرض والطلب (الثمن العادل مقابل السلعة المناسبة) وضرورة توافر الإيجاب والقبول الخاليين من عيوب الإرادة، وضرورة توفير الضمانات ضد مخاطر الاستهلاك (العيوب الظاهرة والخفية). وبصفة عامة كافة القواعد التي تمكن المستهلك من حرية الانتقاء والاختيار والرشادة وتوقي الضرر.
لقد أضحت اقتصاديات الديموقرطية، شرطا أساسيا لنجاح تطبيق “اقتصاديات السوق”. والديمقراطية الاقتصادية لا تقتصر على تحقيق حرية الاختيار للمستهلك من خلال تصور الحلول والبدائل، وإنما توفر أيضا فاعلية الرقابة، والمسؤولية عن أضرار الاستهلاك والتأثير في الإرادة، والحق في المعلوماتية الشاملة والسليمة، وتوزيع هذه المهام والمسؤوليات على مختلف الوحدات والجماعات السياسية والمدنية في المجتمع، وتحجيم الدور المتعاظم للبيروقراطية، من خلال الانتزاع أو الإقلال من السلطات الاقتصادية والرقابية للحكومة المركزية. وبصفة خاصة جمعيات حماية المستهلك، إحدى صور التنظيم الأهلي، والتي تعبر عن التعددية الاجتماعية (الديمقراطية الاجتماعية)، مقابل التعددية السياسية (الديمقراطية السياسية) والتعددية الاقتصادية (المشروعات والمنافسة).
من هنا فإن حماية المستهلك تُعد حاليا إحدى أهم الموضوعات الرئيسة لارتباطها بضرورات وأهداف تنمية المجتمعات، الأمر الذي دعا الدول المتقدمة والنامية وحتى تلك التي ما زالت في طور النمو إلى اعتماد تشريعات وبرامج وسياسات اقتصادية تهدف بشكل أساس إلى حماية المستهلك في معاملاته التي تتم بشكل تقليدي أو تلك التي تتم باستخدام وسائل الاتصالات الحديثة وبصفة خاصة.
في عالم لم يعد يعترف إلا بالكيانات القوية، لم يعد أمام مستهلكي عالمنا العربى إلا خيار واحد وهو توحيد توجهاتهم وأهدافهم من أجل إيجاد الصيغة الملائمة لمخاطبة أقوياء عالم اليوم. فالحقيقة التي لا خلاف عليها هي أن الضعاف أو مسلوبي الإرادة سيظلون على حالهم ما لم ينظموا صفوفهم للدفاع عن مصالحهم و الحصول على حقوقهم الاقتصادية.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)