صحيفة المدينة المنوّرة باعتبارها أساساً لنظرية العقد الاجتماعي والدولة المدنية في الإسلام

د. محمود الشويات
أستاذ الفقه المقارن والدراسات الإسلامية المشارك
كلية القانون الكويتية العالمية

الملخص

بالرّغم من كل ما حقّقته البشرية من تطوّر وتقدّم في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، وفي جميع الحقول والمجالات العلمية، بحيث أصبح العالم أجمع وكأنّه قرية صغيرة؛ يسهل على كل مُريد من شعوبها أن يتعرّف على غيره ويتواصل معه بأبسط الطرق وأسهلها وأسرعها، وأقلّها تكلفة في الوقت والجهد من غير تحمّله سوى النزر اليسير من التكلفة المادية، وفي الحقيقة إنّ هذا الوصف ليس من ضرب الخيال وإنّما هو واقع معاش على مستوى الأفراد والشعوب في عالمنا المعاصر، إلاّ أنّ الأمر مختلف تماماً على المستوى الدولي، كأنظمة سياسية أو تكتلات أيديولوجية أو دينية أو اقتصادية، وكأنّ المجتمع الدولي تحوّل إلى غابة تسودها الفوضى، والبقاء فيها للأقوى؛ لا مبادئ تحكم ولا مواثيق تُصان ولا عهود تُحترم، والمؤسف جداً أن يتم توظيف كل هذا التقدم من قِبل بعض الأنظمة السياسية والتيارات الأيديولوجية لخدمة أهداف عنصرية انتهازية استبدادية؛ تكيل بمعايير مزدوجة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة والمساواة والتسامح فيما بين بني البشر.
وتأسيساً على ما تقدّم تبرز حاجة المجتمع البشري ككل إلى تبنّي ميثاق عالمي يدعو إلى إرساء أواصر المحبة والتسامح وقبول الآخر؛ ويتخذ من صحيفة المدينة المنوّرة نموذجاً له؛ كجذر تاريخي يُؤسّس لنظرية مُثلى في العقد الاجتماعي، نظراً لما تتضمّنه هذه الصحيفة من إرساء لقيم المحبة والتسامح والعدالة الاجتماعية، وتقبُّل الآخر على اختلاف معتقده الديني أو توجهه السياسي، وتحفظ لجميع الأطياف حقوقهم المدنية ومعتقداتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية في عيش مشترك؛ يقوم على أساس التكافؤ في ممارسة الحقوق والالتزام بالواجبات؛ ولتحقيق هذه الغاية اشتملت هذه الدراسة على ثلاثة مباحث وخاتمة؛ في المبحث الأول سيتم التعرّض لمفهوم نظرية العقد الاجتماعي وبُعدها التاريخي، وفي المبحث الثاني سيتم دراسة صحيفة المدينة المنوّرة لبيان مدى توافقها مع نظرية العقد الاجتماعي، ويأتي المبحث الثالث لبيان دور الصحيفة في إرساء أسس وقواعد الدولة المدنية في الإسلام كنموذج يمكن تعميمه على مستوى المجتمع الدولي ككل من أجل الوصول إلى عيش مشترك يحقّق مبدأ العدالة والتكافؤ في التعامل مع الغير.
ثم نختم في هذه الدراسة بحزمة من النتائج والتوصيات التي ستشكّل أرضية خصبة لدراسات لاحقة قد ترتقي لمستوى رسائل وأطروحات يتم تبنيها من قبل طلبة الدراسات العليا، وكان من أهم هذه النتائج اعتبار البيعة كهيئة تأسيسية مهّدَت لإصدار صحيفة المدينة المنوّرة مع ضرورة التفرقة بينهما، فالبيعة عقد سياسي ديني يُفضي إلى اختيار الحاكم، والصحيفة عقد اجتماعي مدني بامتياز يُحدّد العلاقة بين الحاكم والرعية، وإنّ الحضارة الإسلامية حضارة متجذّرة متأصلة في تطبيق نظرية العقد الاجتماعي وليست دخيلة عليها، وإنّ الإسلام أول من طبّق مبدأ الفصل بين السلطات ودعا إليه. وهذا ما تضمنته الصحيفة كأول دستور مدني مكتوب يشتمل على إعلان لحقوق الإنسان، كما أنّ الصحيفة لم تتنكّر لهذا الاختلاف بين بني البشر وهذا التعدد بمختلف صوره، لا بل استثمرته واستفادت منه، فنقلت البشرية من مفهوم الدولة السياسي الضيّق إلى مفهوم الدولة العالمية الإنسانية، وأعطت حق المواطنة (الجنسية) للجميع وسمتهم (أمة واحدة) رغم كل هذا التعدّد والاختلاف.

كلمات دالة: البيعة، الفصل بين السلطات، الحضارة الإسلامية، حق المواطنة، قبول الآخر، السياسة الشرعية في الإسلام.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)