مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع بين المقتضيات القانونية والاجتهاد القضائي دراسة في فرنسا والمغرب

د. زكرياء خليل
نائب العميد ورئيس قسم القانون الخاص – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة القاضي عياض بمراكش – المغرب

الملخص

لقد ظل المبدأ السائد هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع اعتبارا لكون سن القوانين يعد من أسمى مظاهر سيادة الدولة، وشكلت بذلك استثناءً عن مبدأ مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تتسبب فيها مرافقها، بحجة أن مفهوم السيادة يتنافى في مضمونه مع المسؤولية، إذ يُعدّ القانون من أهم مظاهر هذه السيادة، كما تم الاستناد لتكريس هذا الاستثناء على القول بأن إخضاع البرلمان لرقابة السلطة القضائية يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات، كذلك فإن الغاية من سن القوانين يكون هو التنظيم وحماية الحقوق وهذا لا يتحقق، إلا بإعطاء تفويض للدولة لممارسة مهمة سن القوانين وجعله مظهرا من مظاهر سيادتها المطلقة دون إمكانية الحديث عن مسؤوليتها عنها أو تحمل أي تبعات عن هذا التنظيم، لأن من شأن ذلك أن يقوم عائقا أمام تحقيق الغاية المنشودة من سن القوانين.
إلا أنه في ظل التطورات التي عرفتها التشريعات الحديثة، وفي ظل تطور الفلسفة التي باتت تحكم الغاية من التشريع ارتباطا بالقيم الإنسانية الكونية التي تبنتها أغلب الدول، لم تعد المبررات السابقة تصلح سنداً للقول بعدم مسؤولية الدولة عن أعمال التشريع، كما أن اتساع نطاق نشاط الدولة وتزايد قوانينها تحقيقاً لاتجاهاتها المتداخلة من ناحية، ومقتضيات تطبيق مبدأ المساواة أمام الأعباء والتكاليف العامة من ناحية أخرى، كل ذلك يدعو إلى نبذ المبدأ القديم والأخذ بمبدأ مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تسببها قوانينها.
وفي هذا الإطار تندرج تجربة القضاء المغربي في التأسيس لمبدأ مسؤولية الدولة عن التشريع، خاصة بعد صدور دستور 2011 الذي أعطى لكل متقاض الحق بالدفع بعدم دستورية القانون المراد الاحتكام لمقتضياته للبت في موضوع الدعوى، وإلزام المحكمة بضرورة إحالة هذا الدفع على المحكمة الدستورية للبت في مدى دستورية القانون المثار بشأنه الدفع بعدم الدستورية من عدمها، وهو ما سيفتح المجال أمام إقرار مسؤولية الدولة عن الوضعيات التي أنشأها هذا القانون أو مس بها.
وعليه تروم هذه المداخلة، التعرض لأسس مسؤولية الدولة عن التشريعات التي تسنها، مع عرض التجربة المغربية في هذا الإطار انطلاقا من مواقف الاجتهادات القضائية المغربية والآفاق التي تفتحها المقتضيات الدستورية الجديدة.

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)