نظام فض النزاعات خارج دائرة القضاء الرسمي: دراسة مقارنة
د. نبيل العبيدي
أستاذ القانون الخاص المساعد – كلية الحقوق – جامعة البحرين
الملخص
التحكيم هو وسيلة خاصة للفصل في بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها الأطراف مهمة البت فيها بموجب اتفاقية التحكيم، فهو قضاء خاص لفض النزاعات بين المتخاصمين، وهو أعرق وسيلة سبقت تاريخياً القضاء الرسمي، ويتسم بالسرعة والنجاعة والمرونة، الأمر الذي دعا بالمشرع البحريني شأنه شأن مشرعي العالم إلى إيلاء التحكيم الأهمية التي يستحقها، فخصص له قانون التحكيم الصادر رقم 09 لسنة 2015 المؤرخ في 05 يوليو 2015 مستجيباً لخصائص التحكيم المعاصر. فهو يمثل مسارًا إراديًا توافقياً لحسم النزاع وضمان حياد وخبرة المحكمين، غير أن مفهوم مصطلحات الوساطة والمصالحة والتحكيم غير محدد في التشريعات العربية، إذا ما قورن بعبارة الوساطة أو التوفيق «Mediation» في اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية، الأمر الذي يستدعي توضيحها وتطويرها واختيار مصطلح وحيد بينها للدلالة على آلية فض النزاع في مسار إرادي توافقي، وبالتالي البحث في تحديد مفهوم هذه المصطلحات.
وفي التشريعات العربية ليس هناك تعريف قانوني موحد لآلية الوساطة والمصالحة والتحكيم والتوفيق، فالتعاريف مختلفة باختلاف المدارس النظرية. فالوساطة والمصالحة والتحكيم والتوفيق نجدها بين الإدارة والمواطن المتجسدة في خطة الموفق الإداري في بعض الأنظمة القانونية كفرنسا وتونس… ونجدها في النظام القضائي لتمكين القضاة من استعمال هذه الآلية وهي ما تسمى بالوساطة القضائية… ونجدها كذلك في الوساطة التعاقدية، وتعتبر كأفضل آلية لفض النزاعات لما تتميز به من ليونة ومرونة تجعل آلية فض النزاع تتكيّف كلياً مع الحاجات والمصالح الخصوصية للأطراف.
ولا شك أن تنوع أشكال الوساطة والتوفيق مقارنة بمفاهيم وآليات مجاورة لها كالتحكيم والمصالحة والتأكيد على المسار الوفاقي الإرادي يتطلب ضرورة تحديد مفهوم هذه المصطلحات التي ترمي جميعها للدلالة على آلية فض النزاع بصفة إرادية توافقية.
ولعل أهمية البحث تكمن في بيان أهمية هذه النظم القانونية الجديدة التي أملتها الظروف الاقتصادية باعتبارها ضرورة اقتصادية فرضتها إكراهات وإرهاصات التحولات الاقتصادية والتطورات الهامة التي سجلتها العولمة في الأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي دفع إلى ظهور هذه الأنظمة التي تتسم بسرعة البحث في النزاع وفي سرية جلساتها وعدم نشر أحكامها، إضافة إلى كونها تخفف عبء القضايا على المحاكم وتشكل أداة مهمة لجلب الاستثمار.
إن حداثة إدراج هذه النظم بمختلف أنواعها ــ الوساطة، المصالحة، التوفيق، التحكيم ــ في تشريعاتنا العربية بالخصوص، تدعونا إلى معرفة مدى جدوى وفعالية هذه النظم في حل النزاعات بالشكل الذي اعتمدته دول متطورة في هذا المجال أم أن هذه النظم لم تفعل هذه الآليات البديلة للقضاء الرسمي، وجعلت دوره محدوداً في حل النزاعات، وهذا ما سيتم التطرق إليه من خلال اتباع المنهجية التحليلية في البحث في مجال المصالحة والوساطة لفض النزاع على نحو إرادي توافقي، ثم التطرق إلى التطبيقات العملية سواء على مستوى الوساطة القضائية أو الوساطة الاتفاقية.
كلمات دالة: الوساطة، التوفيق، التحكيم، القضاء الخاص، المصالحة.