السلطة التقديرية للقاضي الدستوري في تفسير نصوص التشريع والإضافة إليها: دراسة لحكم المحكمة الدستورية الكويتية في الدعوى رقم 5 لسنة 2021 (دستورية) بشأن جريمة التشبـّه بالجنس الآخر
أ. د. يسرى محمد العصار
أستاذ القانون العام
كلية القانون الكويتية العالمية وجامعة القاهرة
الملخص
تتضّمن هذه الدراسة تعليقًا على حكم المحكمة الدستورية الكويتية الصادر بتاريخ
16 فبراير 2022 بعدم دستورية المادة (198) من قانون الجزاء, فيما نصت عليه من تجريم التشبّه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، تأسيسًا على أنّ هذه المادة لم تتضمّن معيارًا موضوعيًا منضبطًا لتحديد السلوك المؤثَّم قانونًا، وأنّ صياغتها بالغة العموم والاتساع, ويمكن تحميلها بأكثر من معنى. وكان من الضروري توسيع نطاق الدراسة، والإشارة إلى الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية بمناسبة رقابتها على صياغة النصوص الجزائية، من أجل رصد اتجاهات المحكمة، وبيان وجهة النظر القانونية بشأن مدى الاتفاق أو الاختلاف بين اتجاهاتها في هذا الشأن.
وتبيَّن من الدراسة أنّ الصياغة التشريعية لنص المادة (198) من قانون الجزاء لا تختلف عن الصياغة التشريعية لنصوص جنائية أخرى رجَّحت فيها المحكمة تفسير نص التشريع على الوجه الذي يتفق مع الدستور، وقضت بدستوريتها، ولذلك كان يمكن تفسير نص هذه المادة على الوجه الموافق لأحكام الدستور كما فعلت المحكمة في الأحكام الأخرى المشابهة. ومن ناحية أخرى كان يمكن للمحكمة أن تقضي بعدم دستورية المادة (198) جزئيًّا – فيما لم تتضمّنه من ضوابط ترى المحكمة أنَّها ضرورية لكي تُعدَّ متفقةً مع أحكام الدستور، مثل قيام جهة الادعاء العام بتوجيه تعليمات لمأموري الضبط القضائي تتضمّن معايير أكثر تفصيلًا للأفعال المؤثّمة، وعدم التدخل إلا إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم تُعدُّ قاطعة في الدلالة على المجاهرة بتقمص الجنس الآخر. ويُطلق على هذا الأسلوب: الرقابة على دستورية قصور التنظيم التشريعي (أو الإغفال التشريعي).
وكان يمكن للمحكمة كذلك الحكم بدستورية المادة (198) من قانون الجزاء وفقًا لضوابط وتحفظات ينبغي على الجهات المنُاط بها تطبيقها مراعاتها في الواقع العملي، وهذا ما تتبعه محاكم دستورية في العديد من الدول الأوروبية، مثل المجلس الدستوري الفرنسي. وهذا المنهج قابل للتطبيق في دولة الكويت، وهو يتفق مع الطابع العملي للقضاء الدستوري في التفسير المرن لنصوص التشريعات واللوائح، وعدم الحكم بمخالفتها للدستور، إلاّ إذا كان من غير الممكن تأويلها على الوجه الذي يوافق أحكامه. ولن تنشأ مشاكل عملية عن تطبيق هذا الأسلوب في إصدار الأحكام؛ لأنّ السلطات العامة الثلاث تستند في الأعمال الصادرة عنها إلى نصوص القوانين مع أحكام المحكمة الدستورية، وتشير في آن واحد إلى هذه النصوص والأحكام.
وقد تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث، تناول الأول منها سياسة القاضي الدستوري في ترجيح تفسير النص التشريعي على الوجه الذي يتفق مع الدستور. وتناول الثاني السلطة التقديرية للقاضي الدستوري في إكمال النقص في النص التشريعي. وتناول الثالث السلطة التقديرية للقاضي الدستوري في الحكم بدستورية نص تشريعي وفقًا لضوابط في التطبيق.
كلمات دالة: السلطة التقديرية للقاضي الدستوري، وصياغة التشريع، وقصور التنظيم التشريعي، والإغفال التشريعي، والحكم بدستورية قانون مع ضوابط في التطبيق.