التطورات الحديثة لمفهوم الحق في الخصوصية – الحق في الخصوصية المعلوماتية
أ.د. محمود عبد الرحمن
أستاذ ورئيس قسم القانون الخاص في كلية القانون الكويتية العالمية
الملخص
تقوم فكرة الحق في الخصوصية أو (الحياة الخاصة) على حماية الجانب غير العلني من حياة الإنسان فلا تناله الألسنة، ولا تترصده الأعين، ولا تتلصص عليه الآذان .
ويقابل هذا الحق بالضرورة واجب الاحترام من قبل السلطة العامة والأفراد على السواء، ويقتضي، في الوقت ذاته، أن تكفل له الدولة الحماية الدستورية والقانونية ضد أي انتهاك غير مشروع.
وقد أولت التشريعات الوضعية – ومن قبلها الشريعة الإسلامية – أهمية قصوى للحق في الخصوصية، ويظهر ذلك جلياً في النص عليه في كثير من دساتير الدول ضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، كما حددت بعض القوانين صور الاعتداء على هذا الحق، واعتبرتها جرائم معاقباً عليها جزائياً (جنائياً).
بل حظي هذا الحق باهتمام الهيئات والمنظمات الدولية انطلاقاً من اتجاه عام يسود المجتمع العالمي في السنوات الأخيرة، هو وجوب احترام حقوق الإنسان، وإقامة شروط أفضل للحياة في جميع أرجاء الكرة الأرضية، وقد برز هذا الاهتمام في صورة اتفاقيات أبرمت، إما على مستوى الأمم المتحدة، وإما على المستوى الإقليمي، لإقرار هذا الحق، فضلاً عن بعض المؤتمرات الدولية التي انعقدت في دول عدة لبحث أفضل الوسائل لحمايته.
وقد كان يقصد بهذا الحق في البداية وجوب احترام الخصوصية المادية للإنسان، بهدف توفير حماية فاعلة لكيانه المادي وممتلكاته. ومن ثم لم يكن التجسس عليه من قبل الشرطة أو مراقبته هاتفياً انتهاكاً لخصوصيته لعدم الاعتداء المادي المباشر على جسمه أو على ملكه.
ولكن هذا المفهوم المادي الضيق للخصوصية تغير واتسع ليشمل الجانب المعنوي في حياة الإنسان كأفكاره ومشاعره وأحاسيسه وقواه العقلية، ومن ثمَّ أصبح التجسس على الأسرار والمعلومات الشخصية انتهاكاً لخصوصيته، حتى لو حدث ذلك في مكان عام، حيث أن القانون يحمي الأشخاص وليس الأماكن أو الملكية (1).
ومن جهة أخرى، أدى التطور الهائل في تقنيات الحاسب الآلي والإقبال المتعاظم علي استخدام شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى السباق المحموم بين وسائل الإعلام للكشف عن أخبار تتعلق بالحياة الخاصة لشخصيات سياسية أو فنية أو رياضية، أو تخص حتى الأفراد العاديين، سعياً وراء مكاسب مادية من نشرها، وكذلك قيام جهات عديدة بجمع بيانات ومعلومات عن الأفراد لممارسة عملها، كالمصارف وشركات التأمين وغيرها، أن زادت مخاطر انتهاك حق الإنسان في الخصوصية، ومن ثم ظهور مفهوم حديث لهذا الحق هو “الحق في الخصوصية المعلوماتية.
ومحور اهتمامنا في هذه الورقة هو هذا المعنى الأخير للحق في الخصوصية.
وسنبدأ بتعريف هذا الحق، ثم نستعرض مخاطر الحاسب الآلي وشبكة الانترنت على الخصوصية المعلوماتية، وننتهي بالإشارة إلى الضمانات المقررة لحمايتها في الاتفاقيات الدولية والإقليمية والتشريعات المحلية، ونوجز توصياتنا في الخاتمة.
ونخصص لكل منها مبحثاً على حدة.
المبحث الأول: تعريف الحق في الخصوصية المعلوماتية.
المبحث الثاني: مخاطر الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت على الخصوصية المعلوماتية.
المبحث الثالث: الضمانات المقررة لحماية الخصوصية المعلوماتية في الاتفاقيات الدولية والإقليمية والتشريعات المحلية.