مدى حق العامل في حرمة حياته الخاصة في أماكن العمل
أ.د. غنام محمد غنام
أستاذ القانون الجنائي – كلية القانون الكويتية العالمية
الملخص
يعالج هذا البحث موضوع أبعاد الحق في الحياة الخاصة للعامل في مكان العمل، للتعرُّف على مدى سلطة ربِّ العمل، أو إدارة الشركة التي يعمل لديها العامل، أو إدارة الجهة العامة التي يعمل بها لديها الموظف في القيام بأعمال تشكل تدخلاً في حياته الخاصة، كالمراقبة بالكاميرات، وتسجيل المكالمات ،وقراءة المراسلات الورقية والإلكترونية (الإيه ميلات).
والبحث بهذا الوصف لا يشكل دراسة في قانون العمل فقط، بل إن له انعكاسات على القانون الجنائي، من حيث إنه يوضح مدى مشروعية الدليل المتحصِّل من تلك المراقبة في إثبات الجرائم المنسوبة إلى العامل.
ويلاحظ أن الدستور المصري الجديد قد كرَّس الحق في الحياة الخاصة في مادته (57) بنصه على أن: «للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس». كما نصَّت المادة (58) منه على أنه: «للمنازل حرمة وفيما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلاّ بأمر قضائي مسبَّبٍ يحدد المكان والتوقيت والغرض منه، وذلك في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها واطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن».
ويعاقب قانون العقوبات المصري على الإخلال بالحياة الخاصة؛ فقد نصت المادة (309) مكرر (أضيفت بموجب القانون رقم 37 لسنة 1972) على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن أرتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرَّح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه:
(أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
(ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً.
ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.
كما تنص المادة (309) مكرراً (أ) (أضيفت بموجب القانون رقم 37 لسنة 1972 ثم عدلت بالقانون 93 لسنة 1995 ثم عدلت بالقانون 95 لسنة 1996) على أنه «يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهَّل إذاعة، أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة، أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن.
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من قام بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصُّل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها».
على خلاف ذلك لم يتضمن قانون الجزاء الكويتي نصوصاً للعقاب على الإخلال بحرمة الحياة الخاصة. ولكن تبقى مسألة مشروعية الدليل مطروحة أمام القضاء الكويتي، ذلك أن عدم العقاب على الإخلال بحرمة الحياة الخاصة لا يعني مشروعية الدليل المتحصل بهذا الطريق.
وهنا فالأصل أن تلك النصوص تشكل ضمانات للحياة الخاصة للشخص العادي، كما تشكل ضمانات للعامل أيضاً. غير أن المركز القانوني للعامل في توازنه مع حق ربِّ العمل في مراقبة العامل لضمان فعالية الانتاج، وحسن سير العمل يشكل ظرفاً خاصاً يتميز به المركز القانوني للعامل عن الشخص العادي. ومن ثمَّ يسري عليه ما سبق أن أكَّدته المحكمة الدستورية في مصر والمحكمة الدستورية في الكويت من أن المساواة لا تكون إلاّ بين متساويين في المراكز القانونية. وهنا يتميز العامل عن الشخص العادي في مركزه القانوني. ومن هنا كانت المناقشة ضرورية للتعرُّف على نقطة التوازن بين حق العامل في الخصوصية، وحق ربِّ العمل في حسن سير العمل.
ويلاحظ أن الدساتير القديمة لم تورد حقاً صريحاً بحرمة الحياة الخاصة، ولكنها أوردت صوراً لأهم الأفعال التي تخل بحرمة الحياة الخاصة مثل التفتيش وتسجيل المكالمات كالدستور الأمريكي. فينص التعديل الرابع لهذا الدستور على أنه: «لا يجوز المساس بحق الأشخاص في أن يكونوا آمنين على أنفسهم ومنازلهم ومستنداتهم ومقتنياتهم من أي تفتيش أو احتجاز غير معقول، ولا يجوز إصدار إذن بهذا الخصوص إلا في حال وجود سبب معقول، معزَّز باليمين أو التوكيد، وتبيِّن بالتحديد المكان المراد تفتيشه والأشخاص أو الأشياء المراد احتجازها».
كما لم يورد الدستور الفرنسي لسنة 1958 المعمول به الآن نصاً بالحق في حرمة الحياة الخاصة، وترك الأمر للقانون المدني الفرنسي الذي كرَّس هذا الحق في المادة (9) منه منذ تعديل بالقانون الصادر في 17 يوليو سنة 1970.
وقد أصبح المجلس الدستوري الفرنسي يعتبر الحق في الحياة الخاصة داخلاً في الحرية الشخصية، ويعتبره لذلك من الحقوق الدستورية، وذلك في غياب نص صريح في الدستور الفرنسي على الحق في حرمة الحياة الخاصة.