العدد الدوري | السنة الثانية عشرة – العدد 1 | العدد التسلسلي 45 | جمادى الأولى 1445هـ – ديسمبر 2023م
كلمة العدد
الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة جرائم مكتملة الأركان بنص القوانين والأعراف الدولية تستوجب التحرك العاجل
أ. د. بدرية عبد الله العوضي
مما لا شك فيه أن الأعمال العسكرية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خاصة، وفي الضفة الغربية والقدس عامة، تُعدّ جرائم مكتملة الأركان، تقع تحت طائلة أحكام القانون الدولي الإنساني والجنائي، وينطبق عليها – بلا ريب – مبدأ عدم التقادم الذي نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1968، بشأن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المُرتَكَبَة ضد الإنسانية.
الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة جرائم مكتملة الأركان بنص القوانين والأعراف الدولية تستوجب التحرك العاجل
أ.د. بدرية عبد الله العوضي
تضمنت الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) في عددها 1650، السنة التاسعة والستين، الصادرة بتاريخ 27 أغسطس 2023، القانون رقم 119 لسنة مما لا شك فيه أن الأعمال العسكرية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خاصة، وفي الضفة الغربية والقدس عامة، تُعدّ جرائم مكتملة الأركان، تقع تحت طائلة أحكام القانون الدولي الإنساني والجنائي، وينطبق عليها – بلا ريب – مبدأ عدم التقادم الذي نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1968، بشأن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المُرتَكَبَة ضد الإنسانية.
لقد تابع العالم أجمع كيف شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة قصف جوي صب فيها
– ولايزال – حممه النارية، من القنابل والصواريخ، على رؤوس المدنيين العزل وبيوتهم في مختلف أنحاء قطاع غزة، بشكل مستمر ومكثف؛ خاصة منذ السابع من أكتوبر 2023، وأردف قصفه ذلك بالزج بقوات برية مزودة بأحدث العتاد والآليات، انطلقت من مواقع حدودية مختلفة لاحتلال مناطق واسعة من القطاع، وحصاره وتدمير مرافقه، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمؤسسات الحكومية والدولية، علاوة على المصانع والورش والأسواق والمجمعات… وغيرها، وإقامة الحواجز، وقتل واعتقال المدنيين من النساء والأطفال والمسنين.
إن هذه الأعمال العسكرية الوحشية لا تقرها قوانين، ولا أعراف دولية، ولا شرائع سماوية، ولا أخلاق إنسانية، وتنطبق عليها توصيفات القوانين الدولية بأنها «جرائم حرب»، و«جرائم ضد الإنسانية» و«إبادة جماعية». وهذه المصطلحات القانونية هي تعريفات لثلاث جرائم منفصلة، لكل واحدة منها نظام قانوني مختلف، وعقوبات متفاوتة، على المستويين الوطني والدولي. وقد ظهرت الحاجة إلى تعريفها وتحديدها بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأنها ارتُكِبت على نطاق واسع خلال تلك الحرب وما قبلها، وأسفرت عن فظائع يندى لها جبين الإنسانية؛ ولذلك سعت منظمة الأمم المتحدة – منذ ذلك الوقت – إلى تحديد مواصفاتها الدقيقة، ووضع أحكام لها تتضمن عقوبات زجرية في اتفاقيات دولية واضحة؛ لمواجهتها ومنع تكرارها.
فما الذي تعنيه هذه الجرائم؟ وهل ينطبق عليها ما يجري في غزة وفلسطين؟
أولاً – جرائم الحرب: عرَّفت المادة (6) من ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية للعام 1945 جرائم الحرب بأنها: انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك: القتل، أو المعاملة السيئة، أو الترحيل على شكل عمالة ورقيق، أو لأي غرض آخر للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة. والقتل أو المعاملة السيئة لأسرى الحرب، أو الأشخاص في عرض البحار. وقتل الرهائن، وسلب الممتلكات العامة أو الخاصة، وتدمير المدن أو القرى، والتدمير الذي لا تبرره الضرورات العسكرية. وقد وسّعت المحكمتان الدوليتان الخاصتان بيوغسلافيا السابقة ورواندا من مفهوم تلك الجرائم لتشمل «انتهاكات جسيمة» أخرى لاتفاقيات جنيف الأربع، وهو الأمر الذي أكدته المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ثانياً – الجرائم ضد الإنسانية: عرَّف نظام روما الأساسي للعام 1998 الجرائم ضد الإنسانية بأنها كل «هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين». وحددتها المحكمة الجنائية الدولية بأنها «الأفعال التي يتمّ ارتكابها في أوقات النزاع والأوقات الأخرى، بما في ذلك أوقات السلم… على أن يكون العمل غير إنساني في طبيعته وخصائصه، ويسبب آلاما شديدة، أو إصابة خطرة للجسم أو الصحة العقلية أو البدنية، وأن يكون العمل قد ارتُكِب في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج، وأن يكون العمل قد ارتُكِب ضد السكان المدنيين، وأن يكون العمل ارتُكِب على أساس واحد أو أكثر من الأسس التي تنطوي على تمييز، مثل: الأسس الوطنية، أو السياسية، أو العرقية، أو العنصرية، أو الدينية». ومن جهتها تُعرِّف منظمة العفو الدولية الجرائم ضد الإنسانية بأنها «جرائم تُرتَكب كجزء من هجوم واسع النطاق، أو ممنهج، ضد السكان المدنيين كجزء من سياسة الدولة، أو سياسة ممنهجة في أثناء فترة السلم أو الحرب، بما في ذلك حالات الإخفاء القسري، والقتل، والاسترقاق، والاغتصاب، والترحيل، أو النقل القسري للسكان».
ثالثاً – جرائم الإبادة الجماعية: تُعرِّف اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها للعام 1948، والتي صادقت عليها 149 دولة، جرائمَ الإبادة الجماعية بأنها «الأفعال المرتكبة بقصد تدمير جماعة وطنية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية، كليًّا أو جزئيًّا، من قتل وإلحاق أضرار بدنية أو نفسية خطرة بأفرادها، وإلحاق الأضرار الجماعية بأوضاع الحياة التي يُقصَد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا، وفرض إجراءات تهدف إلى منع الولادة داخل تلك الجماعة، ونقل أطفالها بالقوة إلى جماعة أخرى».
وفي ضوء الاستعراض المختصر لمفاهيم هذه الأنواع الثلاثة من الجرائم، ومقارنتها بما يرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة خاصة، وفي فلسطين عامة، يتضح ويتأكد أن ما يجري هناك تنطبق عليه هذه التعريفات الاصطلاحية والتوصيفات القانونية، كما تؤكده التطبيقات القضائية للمحاكم الدولية، كما أنها جرائم لم تبدأ منذ 7 أكتوبر 2023 فقط، كما يزعم البعض، بل تعود إلى أكثر من 76 سنة، وهو ما يستوجب التحرك القانوني لمواجهتها وفق الآليات المتاحة، وهذا التحرك هو مسؤولية الدول والمنظمات الحرة التي ترفض الاحتلال، وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني المُحتَل، والمغتصبة أرضُه ومقدساته.
صحيح أن القانون الدولي قد يفتقد الآليات التنفيذية، ويخضع لموازين القوى الدولية، وربما يستبعد البعض عنه الصفة القانونية أصلًا، لكنه منبر ومنصة للدفاع عن حقوق الشعوب، وإدانة المحتلين ومن يناصرونهم، وفي مناسبات كثيرة كان أساسًا قانونيًّا وملاذًا لاستعادة الحقوق. كما أن ما يعزز المضي في هذا النهج والإصرار عليه هو أن هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم، وفق اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1968، وقبله وبعده الإرادة السياسية والدولية ذات العزم والتصميم، والضمير الإنساني الحي. .
العدد الخاص | السنة العاشرة – العدد 11 | ابحاث المؤتمر السنوي 8 ج2 | جمادى الأول 1443هـ – ديسمبر 2021م
كلمة العدد
:القانون في السياق التاريخي والحضاري (2-4)
الإعلانات والقوانين الدولية – مبادئ ومواثيق لتنظيم التعاون والتعايش ونبذ الحروب بين الأمم: نحو مزيدٍ من الإلزام والاحترام
أ.د. بدرية عبد الله العوضي
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات، الآية 13)
:القانون في السياق التاريخي والحضاري (2-4) الإعلانات والقوانين الدولية – مبادئ ومواثيق لتنظيم التعاون والتعايش ونبذ الحروب بين الأمم: نحو مزيدٍ من الإلزام والاحترام
} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{، (سورة الحجرات، الآية 13).
تشكّل العلاقات بين الدول مرآة عاكسة لتطور دور القوانين في تنظيم الحياة داخل المجتمع الدولي، وهو دور يتقاطع في زوايا كثيرة مع دور القانون في المجتمعات المحلية وداخل الدولة الواحدة، ولكنه يختلف عنه باختلاف أطرافه ووحداته. فالقانون الدولي ينظر إلى الدول على قدم المساواة، ويمنحها السيادة على أراضيها ومياهها الإقليمية وأجوائها، ولا يسمح بالاعتداء عليها أو بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقد ظهرت قواعد هذا القانون تباعاً في شكل مواثيق واتفاقيات وإعلانات مبادئ وحقوق، بعد مخاض صعب شهد حروباً ونزاعات مأساوية، أودت بحياة عشرات الملايين من البشر في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى حروب الاستعمار والعدوان.
وتجد كثير من هذه القواعد أصولها وجذورها في النظريات والمدوّنات القانونية التاريخية، التي نشأت في خضم النزاعات بين الأمم السابقة للسيطرة على الموارد وفرض السيادة، وغلبة منطق الحروب والغزو والعدوان، ثم تطوّرت بشكل تدريجي وتراكمي تطوراً استغرق قروناً عديدة، لإقرار السلم بدلاً من الحرب، والتعايش بدلاً من التنازع، واعتماد الحوار والتفاوض بدلاً من السلاح؛ لتسوية المشكلات القائمة.
وقد أسهمت الشرائع السماوية عامة، والشريعة الإسلامية خاصة؛ باعتبارها خاتمة الرسالات والشرائع وأحكمها وأعدلها وأشملها – في زيادة الوعي بأهمية قيم التعايش والتفاهم بين المجتمعات البشرية، ونبذ الفرقة والعدوان؛ حيث قال تعالى في محكم تنزيله: } وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانÉ{، (سورة المائدة، الآية 2)، كما قال أيضاً: } وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {، (سورة المائدة، الآية 87). وقد وجدت هذه الأحكام تنزيلاً على أرض الواقع في دولة المدينة التي أقامها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتالياً في مكة بعد فتحها؛ ومن ثمّ في باقي الأمصار التي فتحها المسلمون وحكموها، حيث سادت قيم الإخاء والمودّة، والعدل والمساواة، وانتشر الأمن والاستقرار والرخاء في هذه المناطق لفترة؛ وذلك بفعل الالتزام بالقيم والمبادئ التي تضمنتها أحكام الشريعة، والاجتهادات التي توصّل إليها الخلفاء والعلماء والفقهاء.
كما أسهمت المدرستان القانونيتان التاريخيتان: اللاتينية والأنجلوسكسونية، في ظهور كثير من نظريات القانون الدولي وقواعده، وذلك استناداً إلى تجربة الإمبراطورية الرومانية ومبادئ الفلاسفة الرومانيين وأفكارهم، ومن ثمّ فلاسفة عصر الأنوار ومفكريه، الذين عايش بعضهم حقباً مظلمة من تاريخ الحروب الأهلية والبينية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من حروب الاستعمار والعدوان والسيطرة في القرنين: الثامن عشر والتاسع عشر، وخاصة الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن العشرين.
وقد توّج تطور القانون الدولي بظهور عدد من الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات والبروتوكولات، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومن أبرزها: ميثاق الأمم المتحدة (1945)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، واتفاقيات جينيف (1949)، وبروتوكولاتها اللاحقة، وغيرها. كما نشطت الجهود الدولية لصياغة واعتماد الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي تستهدف تشجيع حل المشكلات والمنازعات بالحوار والتفاوض وتجنّب الحروب.
ومما لا شك فيه أن هذه الجهود والمبادرات قد حقّقت بعض النتائج، لكن المعطيات على أرض الواقع تدلّ على محدودية أثر ترسانة القوانين والاتفاقيات الدولية في كبح جماح النزعة العدوانية المتأصّلة لدى عدد من الأطراف الدولية، التي لا تتردد في استخدام القوة لتحقيق مصالحها، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفرض شروطها بالقوة. وفضلاً عن أن هذا الوضع قد أفضى إلى زعزعة الاستقرار في العديد من مناطق العالم، فإنه أدى إلى التشكيك أكثر فأكثر في قوة إلزام قواعد القانون الدولي، بل وفي وجودها، بسبب الانتهاكات المتزايدة لها وعدم احترامها من قِبل القوى الكبرى؛ استناداً إلى أن القوانين تحتاج إلى قوة للإلزام بتنفيذ أحكامها، وهو الأمر غير المتوافر بالنسبة لكثير من قواعد القانون الدولي وأحكامه، خاصة إذا ما تعلّق بالقوى الكبرى. كما أن الوقائع المتتالية تؤكد هذا الأمر.
وبالنظر إلى الاحتياجات المشتركة للمجتمعات البشرية نحو تعزيز السلم والاستقرار الدوليين للتصدي للمشكلات الحقيقية التي تهدد مستقبل البشرية (المناخ – الجوع – استنزاف الموارد…)، فإن العديد من الأطراف، وفي مقدمتهم: الدول والحكومات المسؤولة، وكذلك المنظمات الدولية، وفقهاء القانون الدولي، مدعوون لإعادة التأكيد على مراجعة آليات تفعيل احترام قواعد القانون الدولي وأحكامه، وضرورة الالتزام بها لتشمل الجميع دون استثناء.
أحدث المواد المنشورة
العدد 45
2025-01-17T11:22:42+00:00يناير 17th, 2025|التعليقات على العدد 45 مغلقة
العدد 45
2025-01-17T11:59:20+00:00يناير 17th, 2025|التعليقات على العدد 45 مغلقة
الحماية من تعنيف الزوجة بالضرب: دراسة فقهية مقارنة بقانون الحماية من العنف الأسري في دولة الكويت
2025-01-14T20:55:40+00:00يناير 14th, 2025|التعليقات على الحماية من تعنيف الزوجة بالضرب: دراسة فقهية مقارنة بقانون الحماية من العنف الأسري في دولة الكويت مغلقة