الحوكمة العالمية والسرية المالية في قانون هيئة أسواق المال

أ. د. أسامة الفولي
العميد المساعد لشؤون الأبحاث وأستاذ المالية العامة والاقتصاد كلية القانون الكويتية العالمية

الملخص

غدت «السرية المصرفية» محل الاهتمام البالغ مؤخراً، وذلك بسبب الحرب التي أعلنتها عليها حكومات الدول المتقدمة، في إطار الحرب ضد التهرب الضريبي الدولي وضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ لذا لم يكن من الغريب أن تعلن مجموعة العشرين G20 في اجتماعها الشهير في عام 2009 بأن «عصر السرية المصرفية قد انتهى»().
وتُعــد «السرية المصرفية» أحد الشروط الحاكمة لعلاقة المصرف بعميله، حيث يلتزم المصرف بمقتضاه بضرورة الحفاظ على الأسرار الخاصة بحسابات العميل وأعماله معه، هذه «السرية» لم تعد قاصرة على المؤسسات المصرفية فقط، وإنما امتدت إلى المؤسسات المالية غير المصرفية بعد اتساع دور تلك الأخيرة إلى آفاق غير مسبوقة فأصبحنا نتكلم الآن عن «السرية المالية».
ويرتبط مفهوم «السرية المالية» – في رأينا – بمفهوم «حوكمة الشركات» ارتباطاً وثيقاً، إذ ينصرف هذا المفهوم الأخير – بصفة عامة – إلى الإدارة الرشيدة التي تتحقق من خلال حزمة من القوانين والقواعد التي تضمن وضع نظام محكم للعمل والعلاقة بين كافة الأطراف المعنية في المؤسسة المالية أو المصرفية على النحو الذي يضمن تحقيق الشفافية، والمساءلة، والعدالة، والقضاء على الفساد، واستغلال السلطة، والالتزام بأحكام القانون، وتعزيز الرقابة على أعمال الإدارة، وتدعيم الثقة في المؤسسة وأعمالها والقائمين عليها، وذلك على نحو يؤدي في النهاية إلى تحقيق المؤسسة لأهدافها وتعزيز نموها واستدامته.
إذن فالتزام المؤسسة المالية أو المصرفية بقواعد «الحوكمة» إنما يستلزم بالضرورة التمسك بالتزامها بالحفاظ على سرية المعلومات والبيانات الخاصة بعملائها وعدم الكشف عنها إلا في الأحوال الاستثنائية التي يلزمها فيها القانون أو أحكام القضاء بذلك، الأمر الذي يتفق وتحقيق صالح العملاء واحترام خصوصيتهم وتعزيز ثقتهم بمؤسستهم.
والواقع أن كثيرين يسيئون فهم مصطلح «السرية المالية» فيظنون أنها مطلقة رغم أنه من المعروف أنها – من حيث المبدأ – لا تسري مثلاً على المعلومات الخاصة بالعملاء والتي يتم تداولها بحرية بين المؤسسات الائتمانية، كذلك فإن خضوع المصارف وغيرها من المؤسسات المالية الوطنية للعديد من الاتفاقيات الدولية ضيق كثيراً من نطاق الاحتجاج «بالسرية المالية»، وبصفه خاصة تلك التي صدرت مؤخراً لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاتجار
في المخدرات، فضلاً عن الاتفاقيات الخاصة بمحاربة التهرب الضريبي واتفاقيات منع الازدواج الضريبي الدولي وغيرها.
من هنا تجد المؤسسة المالية نفسها مجبرة على الخضوع هذه المرة لقواعد دولية تلزمها بالكشف عن سرية المعلومات الخاصة بعملائها (أو بعضهم على الأقل). إن توافر هذه القواعد الدولية الخاصة «بالسرية المالية»، مع غيرها من القواعد الدولية الأخرى تمثل –في رأينا– ما يمكن تسميته بقواعد جديدة «للحوكمة العالمية» التي تفرض نفسها بقوة كلما زادت وتيرة العولمة.
وبالطبع لا يمكن لدولة الكويت ولا لمؤسساتها المالية والمصرفية ولا جهاتها الرقابية أن تكون بمعزل عن هذه التطورات، ومن ثم ثار التساؤل لدينا عن موقف هذه المؤسسات والجهات الرقابية إزاء قواعد هذه «الحوكمة العالمية» خاصة فيما يتعلق بالالتزام بالحفاظ على «السرية المالية». وللرد على هذا التساؤل ارتأينا – لأغراض هذا البحث – التركيز بصفة أساسية على دراسة موقف هيئة أسواق المال والمؤسسات المالية الخاضعة لرقابتها في التوافق مع قواعد هذه «الحوكمة العالمية» خاصة فيما يتعلق بالالتزام بالحفاظ على «السرية المالية»، وذلك في ضوء خضوعها لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2010، والمعدل بالقانون رقم 22 لسنة 2015، ولائحته التنفيذية الجديدة.
لذا ارتأينا تقسيم هذا البحث إلى المبحثين التاليين:
المبحث الأول: «السرية المالية» وقانون هيئة أسواق المال.
المبحث الثاني: توافق هيئة أسواق المال وقواعد «الحوكمة العالمية».

البحث كاملا بصيغة PDF (باللغة العربية)