أ.د. بدرية عبد الله العوضي

يعد‭ ‬انتشار‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬والإداري‭ ‬أحد‭ ‬المعوقات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لتنمية‭ ‬البلدان‭ ‬ونهضة‭ ‬الأمم‭ ‬وتقدمها،‭ ‬لذلك‭ ‬اتجهت‭ ‬الدساتير‭ ‬والقوانين‭ ‬المحلية‭ ‬والمواثيق‭ ‬والإعلانات‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬أحكام‭ ‬واضحة‭ ‬وصارمة‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الداهم‭ ‬والمستمر،‭ ‬معززة‭ ‬بخارطة‭ ‬طريق‭ ‬تنفيذية‭ ‬وتفصيلية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬أكتوبر‭ ‬2003،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬جهد‭ ‬قانوني‭ ‬دولي‭ ‬استمر‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات،‭ ‬وأثمر‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬معايير‭ ‬قانونية‭ ‬وفنية‭ ‬دولية‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬وفعالية‭. ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬خمسة‭ ‬مجالات‭ ‬رئيسية‭ ‬تتناول‭: ‬التدابير‭ ‬الوقائية،‭ ‬والتجريم‭ ‬وإنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي،‭ ‬واسترداد‭ ‬الموجودات،‭ ‬والمساعدة‭ ‬التقنية‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭. ‬كما‭ ‬تتصدى‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد‭ ‬المختلفة،‭ ‬مثل‭ ‬الرشوة،‭ ‬واستغلال‭ ‬النفوذ،‭ ‬وإساءة‭ ‬استغلال‭ ‬الوظائف،‭ ‬ومختلف‭ ‬أعمال‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬جهود‭ ‬تاريخية‭ ‬ومتراكمة‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬المحلية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬وديوان‭ ‬المحاسبة،‭ ‬انضمت‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬47‭ ‬لسنة‭ ‬2006،‭ ‬وقد‭ ‬أنشأت‭ ‬تبعاً‭ ‬لذلك‭ ‬هيئة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬بالقانون‭ ‬رقم‭ ‬2‭ ‬لسنة‭ ‬2016،‭ ‬الذي‭ ‬أوكل‭ ‬إليها‭ ‬عدة‭ ‬مهام‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬من‭ ‬أهمها‭: ‬اإرساء‭ ‬مبدأ‭ ‬الشفافية‭ ‬والنزاهة‭ ‬في‭ ‬المعاملات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والإدارية‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬تحقيق‭ ‬الإدارة‭ ‬الرشيدة‭ ‬لأموال‭ ‬وموارد‭ ‬وممتلكات‭ ‬الدولة‭ ‬والاستخدام‭ ‬الأمثل‭ ‬لها‭… ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬ودرء‭ ‬مخاطره‭ ‬وآثاره،‭ ‬وملاحقة‭ ‬مرتكبيه،‭ ‬وحجز‭ ‬واسترداد‭ ‬الأموال‭ ‬والعائدات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬ممارسته‭ ‬وفقاً‭ ‬للقانون‭… ‬وحماية‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬والمتاجرة‭ ‬بالنفوذ‭ ‬وسوء‭ ‬استخدام‭ ‬السلطة‭ ‬لتحقيق‭ ‬منافع‭ ‬خاصة‭ ‬ومنع‭ ‬الوساطة‭ ‬والمحسوبيةب‭. ‬

كما‭ ‬كلّف‭ ‬القانون‭ ‬الهيئة‭ ‬بـ‭ ‬اوضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬للنزاهة‭ ‬والشفافية‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬وإعداد‭ ‬الآليات‭ ‬والخطط‭ ‬والبرامج‭ ‬المنفذة‭ ‬لها،‭ ‬ومتابعة‭ ‬تنفيذها‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنيةب،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مهام‭ ‬أخرى،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬جسيمة‭ ‬ومعقدة‭ ‬تتطلب‭ ‬تعبئة‭ ‬الموارد‭ ‬المختلفة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الإدارية‭ ‬الحكومية‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬نفسه‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭. ‬كما‭ ‬تتطلب‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬تشكيل‭ ‬جهاز‭ ‬إداري‭ ‬وتنفيذي‭ ‬ذي‭ ‬كفاءة‭ ‬وخبرة‭ ‬وفعالية‭. ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬واجهت‭ ‬الهيئة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العقبات‭ ‬والمشكلات‭ ‬لأسباب‭ ‬جوهرية‭ ‬يتعلق‭ ‬بعضها‭ ‬بقانون‭ ‬إنشائها‭ ‬ومدى‭ ‬استقلاليتها‭ ‬والاختصاصات‭ ‬الممنوحة‭ ‬لها،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بأسباب‭ ‬إدارية‭ ‬وتنظيمية‭ ‬وعملية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬قانونيون‭ ‬وخبراء‭ ‬عند‭ ‬صدور‭ ‬القانون‭ ‬وإعلان‭ ‬تشكيل‭ ‬الهيئة‭.   ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تعيد‭ ‬المذكرة‭ ‬الموجّهة‭ ‬مؤخراً‭ ‬من‭ ‬الهيئة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬نوفمبر‭ ‬2021،‭ ‬إثارة‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الهيئة‭ ‬والعقبات‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دول‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬المبادرة‭ ‬لتصحيح‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬والإداري،‭ ‬وإجراءات‭ ‬فعّالة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬الذي‭ ‬يهيمن‭ ‬بموجب‭ ‬المادة‭ ‬(123) من‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬الدولة،‭ ‬ويرسم‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭ ‬للحكومة،‭ ‬ويتابع‭ ‬تنفيذها،‭ ‬ويشرف‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الإدارات‭ ‬الحكومية‭.‬

تتضمن‭ ‬المذكرة‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬شقين‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬أحدهما‭ ‬إداري‭ ‬ويتعلق‭ ‬بتوجيه‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإدارية‭ (‬مثل‭ ‬ديوان‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية‭ ‬وإدارة‭ ‬السجل‭ ‬العقاري‭ ‬والتوثيق‭) ‬والجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬معها‭ ‬وتبادل‭ ‬البيانات‭ ‬والمعلومات‭ ‬ونتائج‭ ‬التحقيقات،‭ ‬وتفعيل‭ ‬حماية‭ ‬المبلغين‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬إنشاء‭ ‬الهيئة‭ (‬الفقرة‭ ‬4‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬5‭)‬،‭ ‬والثاني‭ ‬قانوني‭ ‬تشريعي‭ ‬ويتعلق‭ ‬بضرورة‭ ‬استعجال‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬للقيام‭ ‬بما‭ ‬يلزم‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬لإصدار‭ ‬تشريع‭ ‬يكفل‭ ‬تجريم‭ ‬الرشوة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ورشوة‭ ‬الموظف‭ ‬العام‭ ‬الأجنبي،‭ ‬وكذلك‭ ‬تشريع‭ ‬يكفل‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأشخاص‭ ‬الاعتبارية‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الفساد،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تشريع‭ ‬جديد‭ ‬لمنع‭ ‬حالات‭ ‬تعارض‭ ‬المصالح،‭ ‬بعد‭ ‬إبطال‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬مما‭ ‬لاشك‭ ‬فيه‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬المقترحة‭ ‬مستحقة‭ ‬لتعزيز‭ ‬دور‭ ‬الهيئة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬الذي‭ ‬يشكّل‭ ‬أحد‭ ‬الأولويات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العملية‭ ‬المهمة‭ ‬للدولة،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّ‭ ‬المطلوب‭ ‬لتفعيل‭ ‬أعمال‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬والإداري‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬مراجعة‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬للهيئة‭ ‬باتجاه‭ ‬تعزيز‭ ‬استقلاليتها‭ ‬واختصاصاتها،‭ ‬وتفعيل‭ ‬أدواتها‭ ‬القانونية‭ ‬والتنفيذية،‭ ‬واستعانتها‭ ‬بكوادر‭ ‬إدارية‭ ‬وقانونية‭ ‬وطنية‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬وخبرة‭ ‬ومعروفة‭ ‬بنزاهتها‭ ‬وشفافيتها،‭ ‬كما‭ ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬هيئات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬نفسه‭ ‬منذ‭ ‬فترة،‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬القانونية‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬والتربية‭ ‬والتوجيه‭ ‬والتأثير‭ ‬بما‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬بقيم‭ ‬الشفافية‭ ‬والنزاهة‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمع‭ ‬المختلفة‭. ‬