تجد‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬للمواطنين‭ ‬أساسها‭ ‬في‭ ‬الدساتير‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬باعتبارها‭ ‬إحدى‭ ‬المهمات‭ ‬الأساسية‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الدولة،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬التشريعات‭ ‬والقوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬لتضع‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬الدستورية‭ ‬والمهمات‭ ‬الأساسية‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تنبثق‭ ‬القواعد‭ ‬والهياكل‭ ‬الأساسية‭ ‬لبناء‭ ‬النظم‭ ‬والأجهزة‭ ‬الصحية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تتشكل‭ ‬معالم‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنفيذ‭ ‬القوانين‭ ‬وتطبيق‭ ‬اللوائح‭ ‬وتوفير‭ ‬الميزانيات‭ ‬والكوادر‭ ‬البشرية‭ ‬الضرورية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬الإداريين‭ ‬والأطباء‭ ‬والممرضين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬المساندة‭. ‬

ومثلها‭ ‬مثل‭ ‬باقي‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬توضع‭ ‬بشكل‭ ‬مسبق‭ ‬وتأسيسي‭ ‬لكنها‭ ‬تتضمن‭ ‬مراعاة‭ ‬وتنظيماً‭ ‬لحالات‭ ‬الطوارئ،‭ ‬فإنّ‭ ‬القوانين‭ ‬الصحية‭ ‬الكويتية‭ ‬بمختلف‭ ‬مستوياتها‭ ‬شكّلت‭ ‬لدى‭ ‬تطبيقها‭ ‬إطاراً‭ ‬فعالاً‭ ‬ومؤثراً‭ ‬لتنظيم‭ ‬الاستجابة‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬تداعيات‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بشكل‭ ‬مفاجئ،‭ ‬ثم‭ ‬تنامت‭ ‬واستفحلت‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق،‭ ‬مما‭ ‬أوجد‭ ‬ضغوطات‭ ‬قوية‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬بمختلف‭ ‬جوانبه،‭ ‬وأثار‭ ‬إشكالات‭ ‬وجوانب‭ ‬قانونية‭ ‬حول‭ ‬الأداء‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬والأطباء‭ ‬في‭ ‬العلاج،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التطعيم‭ ‬وطبيعته‭ ‬الاختيارية‭ ‬أو‭ ‬الجبرية،‭ ‬وحدوده‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفئات‭ ‬العمرية‭ ‬والقطاعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المختلفة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الضوابط‭ ‬القانونية‭ ‬والإدارية‭ ‬والرقابية‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحكومية‭ ‬والإدارية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتوريد‭ ‬الكمامات‭ ‬والأدوية‭ ‬والعلاجات‭ ‬والتطعيمات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المستلزمات‭ ‬الطبية‭. ‬

الآن‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬أزمة‭ ‬الجائحة‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئاً‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬كثيرة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬حيث‭ ‬انحسرت‭ ‬أعداد‭ ‬الإصابات‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬العشرات،‭ ‬وتراجعت‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬إلى‭ ‬خانة‭ ‬الآحاد،‭ ‬بل‭ ‬والانعدام‭ ‬لأيام‭ ‬كثيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬نجاح‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬المختلفة‭ ‬وخاصة‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الوباء‭ ‬وإنقاذ‭ ‬الأرواح،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يستحق‭ ‬التقدير‭ ‬والإشادة‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭. ‬

بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الحاجة‭ ‬تبدو‭ ‬ملحة‭ ‬لمراجعة‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬الصحية‭ ‬بشكل‭ ‬يجلي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬غامضاً‭ ‬ومحدوداً‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بصلاحيات‭ ‬السلطات‭ ‬التنفيذية‭ ‬والصحية،‭ ‬في‭ ‬الإغلاق‭ ‬والإجبار‭ ‬والتطعيم‭ ‬وغيره،‭ ‬وكذلك‭ ‬دور‭ ‬السلطات‭ ‬التشريعية‭ ‬والقضائية‭ ‬والرقابية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجاوز‭ ‬أو‭ ‬تجاهل‭ ‬دور‭ ‬بعضها‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لئن‭ ‬كان‭ ‬متفهماً‭ ‬بسبب‭ ‬الطابع‭ ‬المفاجئ‭ ‬والاستثنائي‭ ‬للأزمة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬الآن‭ ‬يحتاج‭ ‬للتنظيم‭ ‬القانوني،‭ ‬والتشريعي،‭ ‬والضبط،‭ ‬والتوضيح‭. ‬

كما‭ ‬كشفت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬الصحية،‭ ‬حيث‭ ‬فشلت‭ ‬المنظومات‭ ‬الصحية‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬القوانين‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الموقعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬كما‭ ‬انكفأت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬ولم‭ ‬تهتم‭ ‬لأمر‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬والضعيفة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬المراجعة‭ ‬الملحة‭ ‬والسريعة‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭. ‬

وبقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬تتعلق‭ ‬بأزمة‭ ‬صحية‭ ‬واختلالات‭ ‬قانونية‭ ‬وإدارية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كشفت‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاق‭ ‬والتضامن‭ ‬والتكافل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬بدوره‭ ‬المراجعة‭ ‬والتأمل‭ ‬في‭ ‬الأسباب‭. ‬لقد‭ ‬نهضت‭ ‬البشرية‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬الأزمات‭ ‬والكوارث‭ ‬لتستذكر‭ ‬وتؤكد‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتفعلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مستحق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الدول‭ ‬والفئات‭ ‬الفقيرة‭ ‬والمهمشة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعاني‭ ‬وربما‭ ‬تستمر‭ ‬معاناتها‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭. ‬