في خطوة أخرى لتعزيز قواعد النزاهة والشفافية، وتحصين الوظيفة العامة، ومكافحة الفساد، واستجابةً لمقتضيات القانون رقم 47 لسنة 2006، بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أقرَّ مجلس الأمة الكويتي، في 13 ديسمبر 2022، القانون الجديد رقم 1 لسنة 2023، بشأن منع تعارض المصالح. ويأتي هذا القانون بديلًا عن القانون القديم، رقم 13 لسنة 2018، بشأن حظر تعارض المصالح الذي قضت المحكمة الدستورية، في جلستها بتاريخ 1 مايو 2019، بعدم دستوريته هو ولائحته التنفيذية؛ بسبب عيوب جوهرية شابت صياغة مواده.
وفي مسعى لتجاوز ملاحظات ومؤاخذات المحكمة الدستورية، بشأن طريقة صياغة الأحكام وضوابطها، تضمَّن القانون الجديد عشرين مادة، شملت: بيان تعريف تعارض المصالح، والخاضعين لأحكامه، والمقصود بالمصلحة الخاصة، والشخص المرتبط بالخاضع، والنسبة المؤثرة، والإفصاح، والمُبلِّغ. وقد سعى المشرِّع، في المادة (1)، إلى أن يكون أكثر دقة وتحديدًا في تعريف جريمة تعارض المصالح، حيث بيَّن في الفقرة الأولى أنه يقصد بـ : «تعارض المصالح امتلاك الخاضع، أو أي شخص مرتبط به، نسبةً مؤثرة في أي شركة أو نشاط مالي له تعاملات مع جهة عمله، وذات صلة بأعمال وظيفته، مع علمه بذلك، أو قيامه بدور الوسيط، أو الوكيل، أو الكفيل، أو الاستشاري لأي شركة، أو منشأة خاصة يتصل نشاطها بجهة عمله، وذات صلة بأعمال وظيفته مع علمه بذلك».
ثم أوضح في المادة ذاتها أن المقصود بـ «المصلحة الخاصة هي المصلحة المادية أو المعنوية التي قصد الخاضع تحقيقها له، أو لأيٍّ من الأشخاص المرتبطين به، نتيجة القرار أو التصرف الذي اتخذه أو شارك في اتخاذه»، وأن «الشخص المرتبط بالخاضع هو كل شخص تربطه بالخاضع صلة قرابة، أو نسب، أو مصاهرة حتى الدرجة الثانية، وكل شخص يكون الخاضع قَيِّمًا عليه، أو وصيًّا، أو وليًّا، وكل شخص طبيعي أو اعتباري تربطه بالخاضع علاقة عمل أو وساطة أو وكالة أو نيابة، وأي نشاط مالي، وأي شركة يشارك فيها الخاضع، وأي من الأشخاص سالفي الذكر بنسبة مؤثرة في قراراتها». وحدد القانون النسبة المؤثرة بأنها «العدد من الحصص أو الأسهم التي لا تقل قيمتها عن 5% من رأسمال النشاط المالي أو الشركة، ويعتد بتحديد هذه النسبة بمجموع الحصص أو الأسهم التي يمتلكها الخاضع والأشخاص المرتبطة به».
وحصر القانون الخاضعين لأحكامه في المادة الثانية، بأولئك الخاضعين لأحكام قانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وكل الموظفين العموميين، والأشخاص المكلفين بخدمة عامة، وكذلك العاملون بالشركات؛ إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة أو المؤسسات العامة تسهم فيها بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها. وألزمهم بضرورة الإفصاح عن حالات التعارض خلال خمسة عشر يومًا، والتخلص منها، أو والتنحي عن الوظيفة تحت طائلة الملاحقة، باعتباره مرتبكا للجريمة. وبحسب مختصين في هذا المجال، فإن عدد المشمولين بهذا القانون يتجاوز أربعة عشر ألف وظيفة (14000) حكومية، وهو ما يلقي بعبء كبير على جهات التفتيش، في وجود جريمة تعارض المصالح والتحقيق بشأنها، وهي: الهيئة العامة لمكافحة الفساد، والنيابة العامة.
وعلاوة على الإجراءات الواجب اتباعها من طرف المخاطَبين بها، من موظفين ومسؤولين إداريين، فقد تضمن القانون عقوبات مُشدَّدة بالغرامة والحبس على المتهمين، كما ألزم الأشخاص المدانين برد الأموال المتحصَّلة من الجريمة أو مصادرتها. وأجاز القانون للمحكمة عزلهم من الوظيفة، والقضاء بإلغاء القرار أو التصرف الذي اتخذوه أو شاركوا في اتخاذه، وما تبعته من آثار. وعدَّ هذا القانون جرائم تعارض المصالح المنصوص عليها – في مواده – من جرائم الفساد، وفق أحكام القانون المنظم للهيئة العامة لمكافحة الفساد (رقم 2 لسنة 2016).
وتبرز مظاهر تشدد القانون، كذلك، في أن الدعوى الجزائية في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون لا تسقط، كما لا تسقط العقوبة المحكوم بها (في هذه الجرائم) بمضي المدة. وزاد القانون بأن العقوبات الواردة في هذا القانون لا تمنع من توقيع أي عقوبة أشد تكون مُقرَّرةً في قانون آخر.
وبذلك يكون النظام القانوني لمكافحة الفساد، في الكويت، قد شهد إضافةً مهمة بإقرار هذا القانون، بعد الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المحكمة الدستورية والفقه الجزائي، ويبقى التحدي الرئيس في مدى تطبيق أحكام هذا النظام وإجراءاته، بما يحقق فلسفته وأهدافه في صيانة الأموال العامة، وحفظ الوظيفة العامة، وبالتالي تحقيق المصلحة العامة، وحفظ الثروة الوطنية.