أ.د. بدرية عبد الله العوضي
في مسعى لاستعجال الدورة التشريعية لمقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاؤه، بهدف معالجة قضايا ومتطلبات مجتمعية ملحّة لا تحتمل التأخير، أقر مجلس الأمة خلال شهر نوفمبر الماضي مقترح قانون بتعديل المادتين (97) و(98) من اللائحة الداخلية، تقدم به عدد من أعضائه، يقضي بأن تُحال مقترحات القوانين مباشرة إلى اللجان المختصة دون أن تمر بلجنة الشؤون التشريعية والقانونية كما كان معمولًا به سابقًا. وقد صدر التعديل في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) بالقانون رقم 53 لسنة 2022، وفي العدد 1613، السنة التاسعة والستون، وبتاريخ 11 ديسمبر 2022.
وقد جاء في النص الجديد للمادة (97) أن «لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح القوانين، ويجب أن يكون الاقتراح مصوغًا ومحددًا – قدر المستطاع – وموقعًا ومصحوبًا ببيان أسبابه … ويحيل الرئيس الاقتراح بقانون إلى اللجنة المتخصصة لدراسته وفقًا لأحكام اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ووضعه في الصيغة القانونية السليمة….». وقد بررت المذكرة التفسيرية للقانون هذا التعديل بمضي فترة طويلة (بلغت ستين عامًا) على صدور اللائحة الداخلية للمجلس، طرأت خلالها العديد من المتغيرات على العمل البرلماني، وهو ما استوجب إعادة النظر في نصوص هذه اللائحة وإجراء التعديلات المناسبة، مشيرة إلى الزيادة الكبيرة في عدد المقترحات بقوانين المقدمة؛ مما يقتضي مراجعة التعامل معها، سواء ما يتعلق بالإحالة أو بالنظر فيها.
وهكذا، فإنه من الواضح أن التعديل يستهدف – بالأساس – تسريع وتيرة البتّ في مقترحات القوانين، على الرغم من أنه لم يذكر بذلك صراحة، سواء في النص المعدل أو في المذكرة التفسيرية، وذلك باستبعاد محطة لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، التي كانت كل مقترحات القوانين تُحال إليها أولًا لفحصها من النواحي الدستورية والقانونية والصياغية، ثم تُحوِّل السليم منها إلى اللجان المتخصصة. وقد أوضح مقدمو التعديل ومؤيدوه أن الوضع السابق كان يستغرق وقتًا طويلًا؛ بسبب كثرة المقترحات وبطء عمل اللجنة وتعسفها أحيانًا؛ مما يحول دون أن تصل مقترحاتهم إلى جدول أعمال المجلس، وهو ما يعني عدم تحقيق تطلعات الناخبين الذين يمثلونهم وخياراتهم.
وعلى الرغم من وجاهة التفسيرات والأسباب السابقة، فإن استبعاد محطة لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لم يكن بالأمر الصائب، وهو يعد تراجعًا عن منهج أكثر فعالية في ضمان سلامة التشريعات، وحجتنا في ذلك هي الأسباب والمعطيات التالية:
– اللجنة تتكون من أعضاء يُنتخبون من النواب أنفسهم، وإذا كانت تعبر عن الأغلبية في كثير من الأحيان، فإن دورها هو دراسة كل مقترحات القوانين المقدمة وإبداء الرأي فيها، والتقرير بشأنها، ومن ثم إحالتها إلى المجلس.
– اللجنة تستعين بخبراء دستوريين وقانونيين؛ وهو ما يساعدها على سرعة البت في مقترحات القوانين وعلى سلامة القرارات والتوصيات بشأنها.
– اللجنة تحرص على حسن صياغة المقترحات القانونية المقدمة بفضل خبراء الصياغة وفنييها الذين تستعين بهم.
– تمرُّس اللجنة بمقترحات ومشروعات القوانين المقدمة يمنحها الخبرة والكفاءة للتعامل مع القوانين.
– أغلب البرلمانات في العالم توكل مهمة البت في مقترحات القوانين إلى اللجان التشريعية أولًا.
– أثبتت التجربة – بعد استبعاد اللجنة التشريعية – أن القوانين الصادرة مشوبة بعيوب كثيرة في الصياغة والسلامة التشريعية والقانونية؛ مما عرضها للإبطال في المحكمة الدستورية.
ولأجل ذلك فإن كثيرًا من الفقه الدستوري – ونحن نشاطره الرأي – يرى أن هذه الخطوة لم تكن موفقة، وأضرت بمسألة حكامة التشريعات وجودتها، ومن الأنسب التراجع عنها وإعادة الأمور إلى نصابها من أجل ضمان سلامة التشريعات من العيوب وأسباب البطلان.