أ.د. بدرية عبد الله العوضي
تشهد المجتمعات العالمية في العقود والسنوات الأخيرة اتجاهاً متنامياً لتعزيز جودة التعليم، باعتبارها شرطاً لازماً لاصلاحه أولاً، وضمان كفاءته ثانياً، وتفعيل دوره في جهود تحقيق التنمية المستدامة والنهضة والمساهمة في تقدم الحضارة بمعناها العام ثالثاً، وهو ما نجحت فيه تلك المجتمعات كما تشير إلى ذلك المؤشرات والتقارير الدولية والمحلية.
وغير بعيد عما تعنيه في المجالات الإدارية والاقتصادية والإنتاجية، فإن الجودة في التعليم العام والقانوني تشمل مجموعة النظم والمعايير والإجراءات والمواصفات والخصائص المعتمدة في الأعمال والأنشطة والمناهج العلمية والأكاديمية والبنية التحتية والبيئة والموارد الإدارية والبشرية بالنسبة لمختلف مراحل ومستويات العملية التعليمية، بما ينعكس تميزاً وكفاءة في خريجيها والأعمال التي يقومون بها، بالإضافة إلى الخبرات والاستشارات والخدمات التي تقدمها المؤسسات التعليمية والأكاديمية لجهات ومؤسسات حكومية وخاصة، داخلية وخارجية.
وبالنظر إلى السياسات والخطط الحكومية والاجتماعية، وفي ضوء التنافس والدور المتزايد للقطاع الخاص، فقد أصبحت نظم الجودة في التعليم، كما في غيره من المؤسسات، ليس فقط التزاماً مؤسسياً وقانونياً، بل وأيضاً نهجاً للتميز وتقديم القيمة المضافة.
كما انتشرت نظم الجودة التعليمية ووجدت طريقها إلى المؤسسات التعليمية والجامعية العربية والخليجية عامة، والكويتية على وجه الخصوص، حيث تم إنشاء مجلس الجامعات الخاصة بموجب القانون رقم 34 لسنة 2000، كما تم تأسيس «الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم» في العام 2010. وحصلت مؤسسات جامعية كويتية على شهادات محلية وعالمية، في حين تميزت كلية القانون الكويتية العالمية بحصولها على شهادتي جودة من وكالة ضمان الجودة البريطانية (QAA)، الأولى: شهادة الجودة المؤسسية، والثانية لأربعة من برامجها الأكاديمية (بكالوريوس القانون، ماجستير القانون، دبلوم القانون، والبرنامج التمهيدي للغة الإنجليزية في برنامج الماجستير).
ومما لاشك فيه أن هذا النهج والاتجاه في مجال اعتماد وتعزيز وضمان تطبيق نظم الجودة من شأنه أن يعزز قيمة وقيم التعليم عامة والتعليم القانوني على وجه الخصوص، ويحفظ قيمة الشهادات العلمية والأكاديمية ومكانة الخريجين ويساعدهم في الحصول على الوظائف التي يطمحون إليها. كما أن من شأن هذا النهج أيضاً تعزيز فرص توسيع مجالات البحث العلمي، بما ينعكس إيجاباً على القطاعات الأكاديمية والاجتماعية ذات الصلة.
لكن هذه الجهود المتراكمة والاتجاهات الإيجابية تواجه عدة تحديات يتعلق بعضها بضعف إرادة الإصلاح والتطوير ومحدودية الموارد والإمكانيات المخصصة لذلك، خاصة في مجال التعليم العام، كما يتعلق بعضها الآخر بانتشار النزعة التجارية وضعف المستوى العلمي وضعف الرقابة والمسؤولية، ورغبة البعض في نيل الشهادات دون الحصول على التكوين العلمي الضروري لمواجهة متطلبات وظائف المستقبل، وهو الأمر الذي وجد أسوأ تعبير له في ظاهرة تزوير الشهادات.
إن مسؤولية النهوض بمستوى التعليم وإصلاحه وتعزيز نظم الجودة ومواجهة هذه التحديات مجتمعة تقع على عاتق جميع الأطراف؛ فعلى المجتمع بمؤسساته المختلفة نشر وتعزيز قيم الاجتهاد والتحصيل العلمي ونبذ الغش والتزوير، وعلى الدولة بمؤسساتها المختلفة القيام بواجباتها الدستورية والاجتماعية في رعاية ودعم التعليم وتطويره والنهوض به؛ كما على القائمين على المؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها ضمان الجودة وحماية التعليم.