تُثار بين الفترة والأخرى قضية تزوير الشهادات العلمية والأكاديمية، وتأخذ أهمية وحيزاً كبيرين على صفحات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وأحاديث واهتمامات قطاعات واسعة من المجتمعات، مما يجعلها قضية رأي عام، تنتقل بعدها لاهتمام المشرعين والإداريين والسياسيين، ومن ثم للإجراءات القانونية، من خلال تكليف النيابة العامة والأجهزة الإدارية بالبحث والتقصي وتقديم التقارير والإحالة للقضاء.
ومما لاشك فيه أن هذا الاهتمام بالشهادات وقيمتها يعود بشكل أساسي إلى أن التعليم بمختلف مستوياته وتخصصاته، وخاصة العلمية منها، بات يُعد الطريق الرئيسي لنهضة وتنمية الأمم والدول، وهو ما تعكسه النسب المخصصة من الميزانيات السنوية، والتطورات المتسارعة في مجالات البحث العلمي والتقني، وهو ما يفتح الباب واسعاً لحاملي هذه الشهادات للحصول على فرص وظيفية متميزة. كما أن هذا الاهتمام الواسع بالشهادات يجد أساسه أيضاً في نظرة التقدير والاحترام والأهمية التي ينظر بها المجتمع بمختلف قطاعاته لهذه الشهادات العلمية والأكاديمية باعتبارها أحد جوانب التأهيل الأساسية للطلبة والباحثين والخريجين، بالإضافة إلى الخبرة والكفاءة، لتبوء المناصب الإدارية والقيادية في القطاعات الحيوية في المجتمع، وقد سادت هذه النظرة الإيجابية لفترة طويلة ولاتزال، ولم يقلل منها ضعف كفاءة البعض من حاملي تلك الشهادات، أو محاولات التزوير التي تظهر ما بين الفترة والأخرى، وهو ما يفسر تزايد الإقبال في المجتمعات المختلفة على مواصلة الدراسة الجامعية للتكوين العلمي والتخصص والحصول على أعلى الشهادات العلمية.
وبالنظر لهذا الدور ولتلك الأهمية، فإن التصدي لمحاولات ضعاف النفوس تزوير الشهادات، والذي أصبح يأخذ للأسف أشكالاً مختلفة في السنوات الأخيرة، لا يقتصر على الجانب الجنائي بالتزوير والتزييف المباشر باعتباره جريمة قانونية وأخلاقية، بل يتعداه ليتخذ أشكالاً متعددة، مثل ظهور مؤسسات تعليمية وجامعية أشبه ما تكون بـ (دكاكين الشهادات)، يتم التساهل معها في بعض الدول النامية لأسباب اقتصادية وتجارية.
ولذلك فإن الدول المؤمنة بدور التعليم في بناء حاضرها ومستقبلها تحرص دائماً على حفظ سلامة وكفاءة الشهادات، من خلال وضع وتقييم ومراجعة المقررات والمناهج الدراسية ومتابعة ومراقبة أداء وإجراءات المؤسسات التعليمية العامة والخاصة وتوفير الظروف والإمكانيات الملائمة لها، بما يضمن في النهاية جودة وكفاءة التكوين العلمي ويلبي الاحتياجات المتزايدة والمتخصصة للقطاعات الحيوية في المجتمع. كما تنشئ مؤسسات وأجهزة أكاديمية، تضم خبراء ومختصين أكفاء، للتقييم والمتابعة ووضع المعايير الصارمة لاعتماد الشهادات والجامعات التي تصدر عنها، وهو النهج الذي اعتمدته الكويت، على المستوى التشريعي والحكومي والتعليمي، منذ وقت مبكر ولاتزال مستمرة عليه، حيث أسهم ذلك في حفظ مكانة التعليم وشهاداته العلمية وساعد في توسع وانتشار مؤسسات التعليم العامة والخاصة على حد سواء.
وقد اتخذ هذا النهج منحى عالمياً، مع تزايد أعداد جامعات ومعاهد التعليم العالي، التي تقدم تخصصات حديثة مواكبة للتطورات الاقتصادية والتقنية التي يشهدها العالم الحديث، حيث برزت هيئات جودة واعتماد أكاديمي عالمية للتدقيق على المناهج والمقررات والإجراءات الدراسية، التي على أساسها يتم منح الشهادات.
ولا تقتصر المسؤولية في تعزيز مكانة الشهادات العلمية وتعميق أثرها ودورها على المؤسسات الرسمية والدولية، بل إن المؤسسات التعليمية، الخاصة والعامة، وعلى اختلاف مستوياتها، مطالبة بالقيام بدور إيجابي في تعزيز تكوين الملتحقين بها من خلال تزويدهم بالثقافة العلمية، الشاملة والتخصصية، وتمكينهم من مهارات وقيم وأخلاقيات البحث العلمي، وتدريبهم وإدماجهم في المجتمعات الأكاديمية والمهنية ذات الصلة، وبذلك يكون المطلوب في مسألة الشهادات العلمية والأكاديمية.. أبعد وأعمق من الموثوقية والمصداقية، بل هو جودتها وكفاءتها، بما يشكل قاعدة لانطلاق أصحابها للعمل واكتساب الخبرات والإسهام العملي في تخصصاتهم.