لا يعد التعليم عن بعد في مجال المقررات القانونية أمراً جديداً أو مستحدثاً بالنسبة للجامعات على مستوى العالم، فقد دأبت جامعات غربية كثيرة على تقديم مقررات قانونية عن بعد، كما تم تنظيمها والاعتراف بها واعتمادها ضمن المقررات المحتسبة في التخرج والحصول على الشهادات، وذلك من خلال القوانين والتشريعات واللوائح الإدارية وغيرها. ولذلك، فإن عدداً كبيراً من الجامعات في العالم لم تواجه عوائق كبيرة في الانتقال من التعليم الحضوري المباشر إلى التعليم عن بعد، وذلك بسبب تداعيات انتشار جائحة فيروس كورونا، وامتثالاً لإجراءات الطوارئ التي فرضتها الحكومات في إطار التصدي للجائحة، والتي تقتضي التباعد الاجتماعي والتقليل من التجمعات.
وقد أسهمت البنية التحتية التكنولوجية التي تم تأسيسها وتطويرها في كثير من هذه البلدان في إنجاح عملية الانتقال إلى التعليم عموماً والقانوني خصوصاً عن بعد، وهي بنية تشمل شبكة إنترنت سريعة تنتمي للجيل الرابع أو الخامس من شبكات الاتصالات، عبر تمديد شبكات الألياف الضوئية التي تؤمن ذلك، كما تشمل تطبيقات وبرامج تعليمية. كما أن أغلب أعضاء هيئة التدريس والطلاب في هذه الجامعات ممن يستخدمون أجهزة الحواسيب المكتبية والشخصية في أعمالهم العلمية والأكاديمية بما في ذلك المقررات والأبحاث وإنجاز الأعمال المكلفين بها، وهو ما أسهم أيضاً وبشكل كبير في إنجاح عملية الانتقال الكامل نحو التعليم القانوني عن بعد، وسمح بتحقيق الاستمرارية، وحال دون حرمان الطلبة من التحصيل العلمي.
وعلى عكس ما سبق، فإن التعليم القانوني في الجامعات العربية، واجه إرباكاً ومشكلات كثيرة بسبب غياب الرؤية الحكومية المسبقة والمؤسسة للتعاطي مع الكوارث العامة وحالات الطوارئ، حيث تم تعطيل الدراسة بشكل كامل، كما استغرق التخطيط والتقرير بشأن الخطوات التالية الكثير من الأسابيع والأشهر، وهو ما شكَّل خسارة فادحة للأطراف كافة، وفي مقدمتهم الطلبة، الذين حرموا من استكمال تحصيلهم العلمي. وفي الوقت الذي يمكن تبرير هذا الأمر بالنسبة لبعض الدول العربية بالظروف الاقتصادية وضعف البنيات التكنولوجية وغياب الأطر القانونية وقلة تأهيل أعضاء هيئة التدريس والطلبة، فإنه لا يمكن تبريره بالنسبة للدول الأخرى المقتدرة وذات الإمكانيات المادية المعتبرة.
لقد شكلت مبادرات الجامعات الخاصة في الكويت، ومن بينها كلية القانون الكويتية العالمية، لاستئناف الدراسة عن بعد بشكل سريع ومنظم، خطوة بالاتجاه الصحيح وقراراً استراتيجياً صائباً في التعامل مع الحالات الطارئة، حيث استفادت الكلية من البنية التحتية التكنولوجية الجيدة والمتطورة في البلاد، وكذلك من منهجها الدراسي الذي يتضمن مقررات الحاسب الآلي والبحث العلمي المعتمد على الموسوعات الإلكترونية العالمية، ومن مختبراتها المزودة بأحدث أجهزة الحاسوب والبرامج.
كما حرصت الكلية على تطوير قدرات وإمكانيات أعضاء هيئة التدريس في التعامل مع أجهزة الحاسوب وبرامج وتطبيقات التعليم عن بعد، وهو ما سمح بنجاح استكمال الفصل الدراسي الثاني من السنة الجامعية 2019-2020. كما سيسمح باستكمال الفصل الدراسي الصيفي كما هو مقرر له.
وما هو لافت في هذه التجربة الخاصة في الكويت أنها شجعت المسؤولين في الجامعة الحكومية في أن تحذو حذوها، وتبادر بدورها إلى إصدار قرار باعتماد التعليم عن بعد بالنسبة لكل كلياتها، حيث بدأت الاستعدادات لذلك بتشكيل لجان فنية وإدارية وأكاديمية خاصة بذلك. وقد سارت كثير من الجامعات العربية في الاتجاه نفسه أيضاً، ولكن الأمر استغرق منها بعض الأسابيع والأشهر كذلك، وهو ما يجب تفاديه في المستقبل.
إن التحديات التي تثيرها جائحة فيروس كورونا بالنسبة للتعليم القانوني عن بعد في الجامعات العربية كثيرة، ومن بينها يمكن الإشارة إلى التالي:
أولاً- ضرورة تحديث الأطر القانونية والإدارية واللائحية لنظم تدريس المقررات القانونية عن بعد، وكذلك تعديل شروط الاعتراف بالشهادات العلمية ونسبة المقررات التي تتم عن بعد، في إطار التأكيد والحفاظ على جودة وتميز التعليم والشهادات.
ثانياً- ضرورة تحديث مناهج التعليم عن بعد بالنسبة للمقررات القانونية، بحيث تشمل التفاعل مع الطلبة وإشراكهم في النقاش، واستطلاع آرائهم في القضايا المثارة، وتكليفهم بواجبات وأعمال بحثية تركيبية وتحليلية.
ثالثاً- قيام أعضاء هيئة التدريس بجهد أكبر في شرح المواد والمقررات بما يتلاءم مع طبيعة هذا النوع من التعليم، وكذلك الأمر في وضع وإجراء الاختبارات.
رابعا- تحتاج الجامعات والكليات القانونية أكثر فأكثر إلى الانتقال بمكتباتها أيضاً نحو الفضاء الإلكتروني، لمساعدة طلبتها وباحثيها، وذلك في إطار المراعاة والاحترام الكامل لقوانين حماية الملكية الفكرية.