أ.د. بدرية عبد الله العوضي
يتضمن هذا الجزء الثاني من الإصدار الخاص بالبحوث المقدمة في المؤتمر السنوي الرابع لكلية القانون الكويتية العالمية الذي أقيم في 10 – 11 مايو 2017 تحت شعار «القانون..أداة للإصلاح والتطوير»، مجموعة من الدراسات التي تسعى إلى بيان دور القانون في إصلاح المجالات الاجتماعية المختلفة وتطويرها، من خلال المنهج النقدي الايجابي، وذلك بدءًا من بيان محاذير السماح بتوسع السلطة التنفيذية في مجال الجرائم، والتأكيد على عدم المس بحق التقاضي المكفول دستوريا تحت أي ذريعة والتحذير من التوسع في مجال أعمال السيادة، ومرورا ببيان أهمية الشراكة المجتمعية في مجال إعادة بناء المنظومة التشريعية بكاملها متمثلة في الدستور والقوانين المختلفة، وهو ما يشكل ضمانة في وجه الفشل والفوضى التي تحيط بمثل هذه المشاريع الكبرى، وانتهاءً بعرض آليات التطوير القانوني المستمر في الكويت وغيرها من البلدان النامية من خلال لجان أو مفوضيات لمراجعة القوانين أو التأكيد على استخدام المعقولية والمنطق القانوني. كما شملت هذه الأبحاث أحكام وضوابط القانون الموحد لضريبة القيمة المضافة في مجلس التعاون الخليجي وقانون المنافسة الكويتي.
إن هذا التنوع في الأوراق البحثية ذات الطابع القانوني والمجالات التي تغطيها يؤكد حقيقة انتهت إليها المجتمعات الحديثة تتمثل في أن القانون أداة محورية في مجال تنظيم الحياة الاجتماعية وتطويرها، إذا ما توفرت الإرادة العامة لاحترام سيادة القانون وتكريسه، باعتبارها منظومة متكاملة تستهدف تحقيق المصالح العليا للمجتمع وليس مصالح أقلية حاكمة أو فئة اجتماعية معينة.
ونقصد في هذا الإطار بالإرادة العامة أن ينشأ ويتعزز وعي وشعور عامين بأهمية القانون والنظام في حياة مجتمعاتنا، يسهم ويشارك الجميع في نشره وتكريسه من خلال إستراتيجية وطنية تقوم بتعبئة كل الموارد المجتمعية وممارسة يومية عملية.
ويكتسب هذا الدور المحوري للقانون أهمية متزايدة لأنه يشكل عاملا مهما في تحقيق الأمن والاستقرار بمفهومه الشامل، خاصة إذا ما كان قائما على العدل والمساواة والحرية والشرعية والمشروعية على حد سواء.
من جهة أخرى تحتاج هذه المنظومة القانونية لكي تقوم بأدوارها الايجابية السابقة إلى إعادة النظر فيها باستمرار بما يكفل لها الفعالية في تأطير التحولات الاجتماعية ودفعها نحو آفاق أرحب، وهو ما يحتاج من القائمين عليها إلى تفكير إبداعي يقوم على المنهج التحليلي، النقدي والمقارن، فالقانون ليس كتابا مقدسا ولا منظومة جامدة لا تحتمل التجديد ولا الاجتهاد. وفي هذا السياق، فإن اتساع قاعدة القائمين على هذه المنظومة القانونية، والذي يشمل رجال القانون من قضاة ومحامين وأكاديميين ومؤسسات جامعية ومحاكم وهيئات فتوى ومجالس دستورية وكذلك سلطات دستورية، من شأنه أن يساعد في إنضاج عمليات المراجعة والتطوير وفي إقرار آليات دائمة لذلك.
ومن المهم في هذا المقام الإشارة إلى أن كليات القانون تشكل أحد العناصر الرئيسية في هذا العملية، لأنه في مدارجها وفصولها يتلقى العاملون في المجال القانوني وكثير من العاملين في السياسة والتشريع والتنفيذ تكوينهم الأول والأساسي، كما أن اجتهادات وتحليلات أساتذتها وفقهائها يشكل معينا لا ينضب في القضايا المستجدة. ولذلك فإن هذه الكليات تحتاج هي الأخرى بين الفترة والأخرى للمراجعة بما يكفل تطوير آدائها وتعزيز إسهاماتها الاجتماعية المختلفة.
وإذا كانت العوامل المرتبطة بالدور المحوري للقانون في مجتمعاتنا متعددة ومتداخلة، ولا يتسع المجال في هذا المقام لعرضها والإسهاب فيها، لكنه من الضروري الإشارة إلى أن القانون يحتاج للأخلاق ولتطبيقه بنية حسنة تستهدف المصالح العليا للمجتمعات، وهذا الأمر يتعلق بقيم اجتماعية ينبغي مراعاتها وتكريسها بما يكفل الصالح العام ويشكل رافعة لتحقيق الاستقرار المطلوب والتقدم المنشود.