أ.د. بدرية عبد الله العوضي
يتناول موضوع «التحديات المعاصرة للضمانات القانونية في عالم متغير»، الذي اختارته كلية القانون الكويتية العالمية عنوانا لمؤتمرها السنوي الدولي الخامس (2018)، الصعوبات التي تواجهها المنظومة القانونية العربية والدولية لحماية المصالح الحيوية للمجتمعات في السنوات الأخيرة، والجهود والاجتهادات التي تبذل من أجل تذليلها (الصعوبات).
ومما لا شك فيه أن هذا الموضوع على قدر كبير من الأهمية والحيوية حيث تتعرض مكتسبات البشرية في احترام كرامة وحرية الإنسان وكفالة الحق في الأمن والسلامة والمبادرة الاقتصادية وغيرها للتهديد الحقيقي. وبهذا المعنى المباشر فإن المؤتمر الخامس هو تتمة للمؤتمر الرابع الذي حمل عنوان (القانون..أداة للإصلاح والتطوير)، كما أنه يندرج في نفس سياق المؤتمر الثالث الذي تناول موضوع أهمية الحوكمة بالنسبة للمجتمعات العربية، وهو يعكس نهجا متكاملا ورؤية واضحة في تحديد دور ومهمة كلية القانون الكويتية العالمية بالمساهمة في تسليط الضوء على القضايا المجتمعية الحيوية ودعوة الباحثين من مختلف المدارس القانونية العالمية لمناقشتها وتقديم اجتهادات بشأنها.
وقد شهدت الدعوة للمؤتمر السنوي الخامس استجابة واسعة، عكس جزء منها كمية ونوعية الأبحاث المنشورة في هذا الجزء الأول من الإصدار الخاص بالمؤتمر، والتي غطت قضايا مختلفة مثل: ضمانات حماية الحياة الخاصة للأفراد في ضوء التهديدات التي تشكلها بعض التقنيات الحديثة و«مزاحمة» حرية الرأي والتعبير والإعلام لذلك. كما شملت أيضا دور التطبيقات القضائية الدستورية في حماية الحقوق والحريات، وذلك من خلال دراسة مقارنة شملت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية والمجلس الدستوري في فرنسا والمحكمتين الدستوريتين في الكويت ومصر. وعرض بحثان لقضايا ذات صلة بالحق في بيئة سليمة ودور الدولة وهيئات المجتمع المدني في ذلك، وهذه من المسائل المهمة في أجندة المجتمعات العالمية في هذه المرحلة.
وبالإضافة إلى ذلك غطت أبحاث أخرى التحديات التي تواجهها مؤسسات الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن في إقرار الأمن والسلم الدوليين، والجهود الدولية لحماية حقوق الإنسان وبسط العدالة الجنائية من خلال المحكمة الجنائية الدولية. كما سعت أبحاث أخرى لتسليط الضوء على المخاطر التي تشكلها جرائم الفضاء السيبراني وفي مقدمتها القرصنة وتجارب بعض الدول الغربية في هذا المجال، مما أفرز تحديات وقواعد قانونية جديدة في مجال الاثبات والإجراءات القضائية.
لقد كشفت الأبحاث المشاركة في المؤتمر عن جانب مهم من التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة فيما يتعلق بالضمانات القانونية، لكنها في الوقت نفسه أكدت الدور الحيوي للمؤسسات التعليمية والبحثية القانونية المنوط بها تحقيق مزيد من التوعية بأهمية هذه الضمانات في تحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تقديم رؤى ومقترحات قانونية علمية وعملية من شأنها تعزيز الضمانات القانونية. وهذا الأمر يستدعي التأكيد على ضرورة تعزيز المنظومة القانونية للتعليم باتجاه تحصينه والحيلولة دون استفحال بعض الظواهر السلبية، وهو ما يتطلب ضخ مزيد من الاستثمارات في القطاعات التعليمية والتربوية بالإضافة إلى تفعيل أنظمة الحوكمة وتقييم الأداء. إن القطاعات التعليمية والبحثية تشكل عنصرا مهما في تطوير الضمانات القانونية، ولذلك فإن من المهم إيلاؤها الاهتمام المناسب، وهذا الأمر تقع مسؤوليته ليس فقط على الحكومات والجهات الرسمية، وإن كان لها دور رئيسي في ذلك، لكن مسؤوليته تقع أيضا وبشكل محوري على الجهات الخاصة والشخصيات العامة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال بالإضافة للمفكرين والباحثين والمشرعين.